للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو خوفًا منهم في الظاهر.

وهذا الثاني يُعذَر، وأما الأول فلا يُعذَر، إذ يجب على المؤمن الإيمانُ في قلبِه في كلِّ حال، ويكون في المنكر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان" (١). وكيف يُنكِر المنكرَ بقلبِه من لا يعرِف أنه منكرٌ، فالعلمُ قبلَ الحبِّ والبغضِ، والإيمانُ بالقرآن لفظِه ومعناه واجب، ومحبةُ لفظِه ومعناه واجب، وإنكارُ ما خالفَه ولو بالقلبِ واجبٌ، لكن يُعذَرُ المؤمنُ بعجزه. فالقلب كالبدن، فمن عجز عن معرفته فهو كالعاجز عن حفظ حروفه، ويَسقُط عنه خطابُ الإيمان بذلك، ويُخاطَب به القادرون، لكن لا يكاد يَعجِزُ مثلُ هذا أن يعلم أيُّ القولينِ أو القائلين أولى بالإيمان بالله ورسولِه، فعليه أن يكون مع أهل الإيمان بحسب إيمانهم، وإن ابتُلِي بمخالفة الفاجر خالفَه.

وهذا الذي ذكرتُه بيِّنٌ لمن تدبَّره، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. فإنّ الله تعالى إنما أنزل كتابَه لِيُعقَل ويُتدَبَّر، وتتبُّعُ المعاني أشرفُ من الألفاظ والكمال المقصود بالألفاظ، وهى معها كالأرواح مع الأجساد، فاللفظ بلا معنًى جسمٌ بلا روحٍ، ومن لم يَعلم من الكلام إلا لفظَه فهو مثلُ من لم يعلم من الرسولِ إلّا جسمَه، ومن لم [يعلم] من الصلاة إلّا حركةَ البدن بالقيام والقعود والركوع والسجود. ولهذا قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الآية [البقرة/ ١٧٧]، وقد رُوي في حديثٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما هلكَ بنو إسرائيلَ حين شَهِدتْ أجسادُهم وغابتْ


(١) أخرجه مسلم (٤٩) عن أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>