ألفاظَ القرآن، لأنه قد كان يُبيِّن لهم معانيَ كثيرةً بغير ألفاظِ القرآن، وذلك هو حديثه. فإذا كان الصحابة قد تلقَّوا عن نبيهم لفظَ القرآن ومعناه لم يحتاجوا بعد ذلك إلى لغة أحد، فالمنقول عن الصحابة من معاني القرآن كان في ذلك كالمنقول عنهم من حروفِه سواءً بسواءٍ، وإن تنازعَ بعضُهم في بعض معانيه فذلك كما قد يتنازعون في بعض حروفه، وكما قد تنازعوا في بعض السنة لخفائها عن بعضهم، إذ لم يكن كلٌّ منهم تلقَّى من نفس الرسولِ جميعَ القرآن وجميعَ السنة، بل كان بعضهم يُبلِّغ بعضًا القرآنَ لفظَه ومعناه، والسنةَ، كما قال البراء بن عازب: ليس كلُّ ما نُحدِّثكم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يَكْذِب بعضُنا بعضًا (١). ولهذا ما يذكره ابنُ عباس من الحديث في القرآن والسنة تارةً يَذكُر من سمعه من الصحابة، وتارةً يُرسِلُه، لكثرةِ من سمعه منه، وبعض ذلك قد سمعه منه، فأما ما كان قبل الهجرة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما نزل فيه من القرآن من ذلك فلم يَشهَدْه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابنُ عباسٍ مُراهق، وكان عند الهجرة صغيرًا جدًّا.
الوجه الثاني: أن الله تعالى أنزل على نبيِّه الحكمةَ كما أنزلَ عليه القرآن، وامتنَّ بذلك على المؤمنين، وأمرَ أزواجَه بذكرِ ذلك، وقد بلغَ ذلك الصحابةَ كما بلغَهم القرآنُ، فلا يحتاجون في ذلك إلى أحدٍ. والحكمة هي السنة كما قال ذلك غيرُ واحدٍ من السلف، وذلك أنه قال:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب/ ٣٤]، فما يُتلَى غير القرآن في بيوتهن هو السنة، إذ المراد بالسنة هنا هو ما أُخِذ عن الرسول سوى القرآن، كما قال في غير حديث: "ألا إني أوتيتُ