العموم، ومَيلُ كثيرٍ من أصحابي الشافعي وأحمد إلى أن هذا يوجب دفع جميع المساواة، فلا يكون الكافر كُفؤًا للمسلم ومساويًا له في باب الدماء، فلا يكون دمه كدمه، ولا يكون كفؤًا له. وإذا انتفت المساواة والمكافأة لم يُقتَل المسلم بالكافر الذمي. ويقول طوائف: إن هذا يوجب انتفاء المساواة المطلقة، والاشتراك في بعض الأحكام لا يمنع انتفاءَ المساواة، بدليل أنهما يستويانِ في كثير من الأحكام. وأنتم قد ذكرتم أن ما نفاه الله عن نفسه من الكفؤ والسَّمِيِّ والمِثْل يقتضي نفي ذلك من جميع الوجوه، وهذا الأصل اللفظي متنازَعٌ فيه، ولا بُدَّ من تقريرِ ذلك بالدليل.
قلت: هذه المسألة تُشبِه دخولَ حروف النفي والنهي على ألفاظ العموم، مثل أن يقول: لا كلَّمتُ القومَ ولا أكلتُ هذا الرغيفَ، ففعلَ بعضَ المحلوفِ، أو مثل قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}[الحشر/ ٢٠] هل تُوجِب اللغةُ عمومَ النفي أو نفيَ العموم؟ وفي هذا الأصل قولان في مذهب أحمد وغيره. ومسألة اليمين مشهورةٌ عند الفقهاء، فالمشهور في مذهب أحمد - وهو مذهب مالك - أنه يَحنَث بفعلِ بعضِ المحلوف عليه، والرواية الأخرى عنه - وهى ظاهر مذهب أبي حنيفة والشافعي - أنه لا يَحنَث بفعل بعض المحلوف عليه عندهم كلهم مع الإطلاق، فأما مع قرينة العموم أو الخصوص فلا يبقى نزاعٌ، مثل إذا قال: لا أكلتُ الخبز أو اللحم، أو قال لامرأته: لا كلَّمتُ الرجال، فهنا يَحنَث بفعلِه البعضَ، إذ لا يُراد هنا عمومُ النفي بل مطلق النفي. ولو قال: واللهِ لا بَينتُ هذا الحائطَ وحدي، ولا نقلتُ هذا الترابَ وحدي، مما تُبيِّن القرينة أنه امتنع من فعل الجميع، لم يَحنَث بفعل البعض، أما في الأصول فيذكرون القولين مطلقًا في مذهب أحمد