على الاتفاق على الكذب في هذه الأخبار، وتمنع في العادةِ وقوعَ الغلطِ فيها، أفادت (١) العلمَ اليقيني بمُخْبَرِها.
وللناس بمخبر التواتر طريقان:
منهم من يقول: هو ضروري، فنحن نستدلُّ بحصولِ العلم الضروري على حصولِ التواتر الموجِبِ له، والأمر هنا كذلك، فإنه ما من عالمٍ بهذه الأحاديث وبطُرُقِها ونَقَلَتِها سَمِعَها كلَّها إلّا أفادَتْه علمًا ضروريًّا لا يُمكِنُه دفعُه عن نفسِه، أعظمَ من علمِ عمومِ الناسِ بِسخاء حاتم وشجاعةِ عنتر وعَدْلِ كِسرى وحَرْبِ البَسُوس ونحو ذلك من الأمور المتواترة عندهم من جهة المعنى. بل هذا عند أهلِ الحديث أبلغُ من العلمِ بمشهورِ مذاهبِ الأئمةِ عند أتباعِهم، كما يعلمُ أصحابُ أبي حنيفة أن مذهبه أن اللمس لا يَنقُض الوضوءَ، وأن المسلم يُقتَل بالذمّي، وأنه لا يُحلِّف المدَّعِين، وأنه يقول بالاستحسان في مواضع. ويعلم أصحابُ مالك أن مذهبه سدُّ الذرائع واتباعُ مذهب أهل المدينة ونحو ذلك. ويعلم أصحاب الشافعي أن مذهبه اتباعُ الخبر الصحيح وتقديمُه على القياسِ والعملِ، وأنه لا يُقتَل المسلمُ بالذمّي، وأنه أخذَ عن مالكٍ ونحوه. ويعلم أصحابُ أحمد أنه كان معظِّمًا لسنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وللحديث في أصولِه وفروعِه، وأنه كان يقول بفقهِ أهلِ الحديث، ويُقدِّمه على القياس والعمل ونحو ذلك.
فتواتُر العملِ بما ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بحديثِه أعظمُ من تواترِ ما ذكرناه من أقوالِ المتبوعين عند أتباعهم، ومن سمعَ ما