والتجسيمُ والتشبيه منتفٍ، فيجب نفيُ موجبِها ويتعيَّن تأويلُها. وإذا كان هذا أُجِيبَ عنه بالاستفسار المتضمن لمنع إحدى المقدمتين، وهو أن يقال: إن كان التجسيم الذي تَعنيه قد دلَّتْ عليه النصوصُ فلا نُسلِّم انتفاءَه، وإن لم تكن دلَّتْ على منع المقدمة الأولى.
وحقيقة الجواب أن ما هو مدلولُها لم يَنفِه العقلُ، والذي نفاه العقلُ ليس مدلولها، وإنما وقعت الشبهةُ في الاشتراك والإجمالِ الواقع في لفظ التجسيم، واشتباهِ ما لا ينفيه العقلُ بما يَنفِيه، وذلك أن في لفظ التجسيم تنازعًا كثيرًا بين الناس قد بسطنا القول فيه في "قاعدة التعطيل والتجسيم"، ورُبَّما نذكرها إن شاء الله تعالى.
ولكن نذكر هنا التنبيهَ على النكتة، فإن المُثبِتَ لمدلول النصوص والصفات لله تعالى يقول للنافي: قولك "ظاهرها التجسيمُ" أتريدُ به أن الله جسمٌ من جنس الأجسام المخلوقة، بحيث يكون من جنس البشر لحمًا ودمًا وعصبًا وعظمًا، كما يُذكر هذا عن بعض المشبِّهة، أو من غير جنس البشر من السماوات أو الأرض أو الملائكة أو الجن أو غير ذلك من المخلوقات؟ إن أردتَ به أن هذا ظاهرها - وهذا منتفٍ - أصبتَ في قولِك:"هذا منتفٍ"، وهو المقدمة الثانية، وقولِك:"التجسيم منتفٍ، والله منزَّهٌ عن التجسيم"، وأخطأتَ في قولك:"إن هذا ظاهرها".
أما الأول فقد روي من وجوهٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا من المشركين من أهل الكتاب سألوه عن ربه ومعبوده الذي يدعو إليه ممّا هو؟ من ذهبٍ أو فضةٍ أو كذا أو كذا، وسَمَّوا ما سَمَّوا من أجناس الأجسام، فأنزل الله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص/ ١]، وأنزلَ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ