للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكْسِبُونَ} [البقرة/ ٧٩]. ولا ريبَ أن غالبَهم ليس مثلَ اليهود، إذ لا يكون إلّا من كان كافرًا محضًا، لكن فيهم من الشَّبَه بهم بقدر ما شاركوهم فيما ذمَّهم الله تعالى عليه. وقد يكون في الشخص أو الطائفة بعضُ المذموم من الخصال والأفعال التي هي مما ذمَّ الله تعالى عليه أهلَ الكفر والنفاق، وإن كان فيه أيضًا ما يُحمَد عليه من الإيمان. هذه صفة من حرَّف التنزيلَ أو كتمه أو استدلَّ بما وضعه (١) وابتدعه.

وأما المعرض عن الكلام في معناه بالكلية فقد قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة/ ٧٨]. والأماني التلاوة والقراءة، فهم لا يعلمون إلّا مجردَ تلاوتِه وقراءته بألسنتهم، يُقيمون حروفَه ويُضيِّعون حدودَه علمًا وعملًا، لا يعرفونها ولا يعملون بها.

فهذه أربعة أمورٍ ذمها الله تعالى: تحريف ما أنزله الله، وكتمانه، وكتابة ما ينسب إليه مما يخالفه، والإعراض عن تدبُّر كلامِه. فمن الناس من يجمع الأربعةَ، وهم رؤوس أهل البدع وأئمتهم الذين وضعوا مذاهبَ مخالف الكتاب والسنةَ، وجعلوها من دينِ الله وأصولِ الدين وفروعِه التي أوجب الله قولها واعتقادها، وقالوا عن الله: إنَّ الله أمرَ بهذا القول والاعتقاد وهذا العمل والاعتماد، فإخبارُهم عن الله بإيجابِ ذلك واستحبابِه أعظمُ من مجرَّدِ إخبارِهم عنه بأن ذلك جائزٌ عند الله إذ قد يجيء من عند الله ما لا يجب علينا به عملٌ، لكونه منسوخًا أو لكونه خبرًا لا يجب علينا به عملٌ ونحو ذلك. وتحريفُهم لنصوص الكتاب والسنة ظاهرٌ، وكذلك كتمانُهم ما يَحتجُّ به أهلُ الإيمان عليهم من الآثار


(١) في الأصل: "به ما وضعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>