للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أن الحيّ متى اتبعَ ما يهواه بلا علمٍ كان ضالًّا بمنزلة الذي يتحرَّك ويسيرُ لا يدري إلى أين، ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام/ ١١٩]، وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص/ ٥٠]. فمن يُرِد الله بعلمه وقولِه فهو صاحبُ هُدًى، ومن أراده ولم يسلك الطريق التي شرعها فهو صاحب هوًى، ولهذا كانت سِيْما أهل البدع أنهم أهلُ الأهواء.

ولهذا كان الواجب أن يكون العملُ لله وأن يكون على السنة، وهذا مقصود الشهادتين: شهادةِ أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله، فإن عبادة الله وحدَه لا شريك له هو إخلاصُ الدينِ له، واتباعُ رسوله فيما بلَّغه عنه من الشريعة هو العمل بالسنة، وذلك هو العمل الصالح. ولهذا كان عمر بن الخطاب يدعو فيقول: اللهمَّ اجعلْ عملي كُلَّه صالحًا ولا تجعلْ لأحدٍ فيه شيئًا (١). وهذا تأويل قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف/ ١١٠]. وقال الفضيل بن عياض في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود/ ٧]، قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصُه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَلْ، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة (٢). معنى أن يكون مما شرعَه الله، وهو


(١) أخرجه أحمد في الزهد (ص ١١٨).
(٢) انظر حلية الأولياء (٨/ ٩٥) وتفسير البغوي (٤/ ٣٦٩). وذكره المؤلف في منهاج السنة (٦/ ٢١٧) ومجموع الفتاوى (١/ ٣٣٣، ٧/ ٤٩٥) وجامع الرسائل =

<<  <  ج: ص:  >  >>