التوحيد والصفات والقدر ونحو ذلك مما يقع فيه خلائقُ من المتكلمة والمتصوفة، لا يرون أن يحتجوا بالقرآن للاعتماد بل للاعتضاد، ولهذا يقبلون الآيات الموافقة لظنونهم وأهوائهم التي يسمونها معقولات، ويجعلون الآيات المخالفة لهم من المتشابهات التي لا يجوز اتباعُها، ولهذا كان السلف يسمونهم أهلَ الأهواء.
وهو موجود أيضًا في غالب الخلق من العلماء والأمراء ومن دخل فيهم من المشايخ والملوك ونحوهم في كثير من أمور الدين القولية والعملية، وإن كانت مما يَسُوغ فيه الاجتهادُ. فإن من اعتقد قولًا أو عملًا وصار لا يُحِبُّ من نصوص الكتاب والسنة وأدلة الحق إلّا ما وافق هواه في ذلك القول والعمل، ويُبغِض الحقَّ الذي يخالفه، فهو صاحبُ هوى. وكذلك لو علم أن قوله وعمله أصحُّ، ولم يُعطِ منازِعَه ما يَستحقُّ من الحق، بل زادَ في ذمِّه على ما شرعَه الله ورسوله، كان صاحبَ هوى. وهذا هو أصل التفرق بن أهل الأرض قديمًا وحديثًا، فإن اتباع الهوى بعد ظهور الحق بَغْيٌ، قال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة/ ٤ - ٥]. وهذه آية عظيمة في سورة عظيمة أمر الله رسوله أن يخص أبيًّا بتبليغها له وقراءتها عليه، ليستمعها ويتلقَّنها [و] هو مختص من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"إن الله أمرني أن أقرأ عليك هذه السورة"، قال: أَوَ سُمِّيتُ؟ قال: نعم، فبكى أبيٌّ (١). فأخبر بتفرقهم وبما أُمِروا به بعد قوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة/ ١ - ٣].