للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن يتدبر المؤمن قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ}، فإن الله أخبر أنه لم يأمر إلّا بهذا، وأن هذا هو دين القيمة، وهكذا في جميع الرسل، حتى إن خاتم الرسل أخبر أنه أُمِرَ بقتال الناس على هذا، فقال في الحديث المتفق عليه في الصحيحين (١): "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة"، وفي رواية: "حتى يعبدوا الله وحدَه". هذا تحقيق قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة/ ١٩٣]. ولهذا قال سبحانه: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف/ ٤٥]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء/ ٢٥]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/ ٣٦]. وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات/ ٥٦]. فأخبر سبحانه أنه خلق الخلق لعبادته، وأرسل جميع الرسل تأمرُ بعبادته وحده، وبذلك وُصِفَ المؤمنون الذين ظُلِمُوا، كقول مؤمن آل فرعون: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر/ ٢٨]، وقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج/ ٤٠].

وأمرَ خاتم الرسل مع دعوتِه جميعَ الناس إلى ذلك أن يُقاتلَ جميعَ الناس على ذلك، وأباحَ له ممن امتنع عن عبادة الله وحده أن يَسترِقَّه ويَستعبدَه ويَستَفيءَ ماله، فإن الله إنما خلقه لعبادته، وجعل المال عونًا


(١) البخاري (٢٥) ومسلم (٢٢) عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>