للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبواب العلم بأنه خبر واحد، ولم ينشأ ذلك إلّا من أهل البدع.

ولهذا ما زال علماء السنة يقبلون الخبر الصحيح، ويبينون اتفاقَ الأخبار المتعارضة عند بعض الناس، ووضعَ كلِّ حديثٍ موضعَه، وأن الأحاديث كما جاءت لا تُردُّ بتكذيب ولا بتحريف. ولم يكن في أئمة المسلمين من يقول: هذا خبر واحد في المسائل العلمية فلا يُقبَل، أو هذا خبر واحد مخالف للعقل فلا يُقبَل، ومن قال شيئًا من هذا عدُّوه من أهل البدع، لكونِه يعارض السنة الصحيحة بما لم يجئ عن الرسول، وكلامُ الرسول لا يُعارضُه إلّا كلامُ الرسول.

لكن قد كان بعضهم يُعارِض الخبرَ المنفردَ إما بظاهرٍ من القرآن وإمّا بما يعتقده من الإجماع ونحو ذلك من الأدلة الشرعية، فهذا قد كان يقع من بعض السلف، كقولِ عمر: لا نَدَعُ كتابَ ربِّنا وسنةَ نبينا لقولِ امرأةٍ لا ندري هل حفظتْ أو نسيتْ (١). وقولِ مروان: فنأخذُ بالعصمة التي وجدنا عليها الناس (٢). وما ذُكِر عن عائشة في مواضعَ من ردِّ بعضِ الحديث بظاهرٍ من القرآن. وكذلك ما يُوجد في مذهب أهل المدينة من تقديم العمل الذي يجعلونه إجماعًا على الخبر، ويستدلون بذلك على نسخِه.

فهذا ونحوه قد كان يقع من بعضهم، وما علمتُ أنه وقع من ذلك شيء إلّا والصواب خلافُه، كما تقدم التنبيهُ عليه. ولهذا قال الإمام أحمد: إذا ورد الخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو سنةٌ يجب اتباعُها، ولا


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (١٢٠٢٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٨٠/ ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>