للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآنَ ولا العقلَ كما سنبيِّنُ ذلك.

فإن قيل: من الناس من يقول: هذه المسائل العلمية التي أُمِرنا أن نقول فيها بالعلم متى لم يكن الدليل عليها علميًّا قطعنا ببطلانِه، فلهذا يجب ردُّ كلِّ خبرٍ أو دليلٍ لا يُفيد علمًا في باب الخبر عن صفات الله، ومنهم من يطردُ ذلك في صفات المخلوقات كالأرضين والسماوات.

قلنا: لا ريبَ أن هذا الكلام قد يُطلِقُه كثيرٌ من أهل النظر، كالقاضي أبي بكر وابن عقيل والمازري ونحوهم، وقد أطلقه قبلهم كثيرٌ من متكلمة المعتزلة وغيرِهم، وقد أنكر ذلك عليهم كثيرٌ من أرباب النظر وقالوا: العلمُ بالعدم غيرُ عدمِ العلم، وعدمُ الدليل غيرُ دليل العدم، وهذا قول أكثر الفقهاء وأهل الحديث وأهل الكلام.

وفصلُ الخطاب أن نقول: لا يخلو إما أن يكون الموضع ممَّا أوجبَ الله علينا فيه العلمَ، أو أوجبتْ مشيئتُه وسنّتُه فيه العلمَ، وإما أن لا يكون مما يجب فيه العلمُ لا شرعًا ولا كونًا.

فإن كان الأول مثل ما أوجبَ الله علينا أن نعلم أن لا إله إلا هو، وأن الله شديد العقاب، وأن الله غفور رحيم، وأنه على كل شيء قدير، وأنه قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا بُدَّ أن يَنصِبَ سببًا يُفيد هذا العلم، لئلا يكون موجبًا علينا ما لا نقدِرُ على تحصيله، وأن لا يكلِّفنا ما لا نُطيقه له إذا أردنا تحصيلَه. ففي مثل هذا إذا لم يكن الدليل موجبًا للعلم لم يكن صحيحًا. وكذلك ما اقتضَتْ مشيئتُه وسنتُه العلمَ به، مثل الأمور التي جرتْ سنتُه بتوفّر الهِمَم والدواعي على نَقْلها نقلًا شائعًا، فإذا لم يُنقَل فيُعلم انتفاؤها وكذِبُ الواحد المنفردِ بها.

وأما ما لم يجب فيه العلمُ لا وجوبًا دينيًّا ولا وجوبًا كونيًّا فلا يُعلَم

<<  <  ج: ص:  >  >>