وما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك - إمَّا سالكًا [طريقًا] أخرى إلى فهم القرآن أو مُعرِضًا عن الجميع - فلا بدَّ له من الجهل والضلال والإفك والمحال، وهو على شفا جُرُفٍ هارٍ يؤديه إلى الكفر والنفاق، فإن انهارَ به وقعَ في نارِ جهنم، وصار من أهل الحراب والشقاق، {وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال/ ١٣]، و {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة/ ٣٣].
ولهذا ما زال كل ذي عقلٍ ودين يردُّون علم معاني الكتاب والسنة إلى العلماء والفقهاء فيه، الذي تَلقَّوه طبقةً بعد طبقةٍ ميراثًا محفوظًا، كما قال فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في خطبته التي رويناها عنه لكُمَيل بن زياد (١): "احفَظْ ما أقول لك، القلوبُ أوعيةٌ فخيرُها أوعاها، الناسُ ثلاثة: عالم ربَّاني، ومتعلمٌ على سبيل نجاةٍ، وهَمَجٌ رَعَاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ يميلون مع كلِّ صائحٍ، لم يَستَضِيئوا بنورِ العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيقٍ. يا كُمَيل! العلم خيرٌ من المال، العلمُ يَحْرُسُك وأنتَ تَحرُسُ المال، العلمُ يَزكُو على العملِ والمالُ يَنقُصُه النفقةُ، العلمُ حاكمٌ والمالُ محكومٌ عليه، ماتَ خُزَّانُ المال وهم أحياءٌ، والعلماءُ باقونَ ما بقيَ الدهرُ، أعيانُهم مفقودةٌ وأمثالُهم في القلوب موجودةٌ. آهِ آهِ! إن ههنا - وأشارَ بيده إلى صدرِه - علمًا لو أصبتُ له حَمَلةً، بلى أصَبْتُ لَقِنًا غيرَ مأمون عليه، يستعمل آلةَ الدين في طلب الدنيا، يَستظهرُ بِنعَمِ اللهِ
(١) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ٧٩، ٨٠) وأبو هلال العسكري في ديوان المعاني (١/ ١٤٦، ١٤٧) والمزي في تهذيب الكمال (٢٤: ٢٢٠ - ٢٢٢).