للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخصُّه، ولكن هو ينتفي عن الله بطريق اندراجِه في العموم، أو بطريق دلالة الفحوى والتنبيه.

فتدبَّرْ هذا فإنه موضع شريف، فلهذا قلنا: إن نفي السمِيّ والمثل والندّ والكفو والشريك عن الله يقتضي نفيَ ذلك في كل الأمور، فليس له سميٌّ في شيء من الأشياء.

وأما قولنا: "بين الوجودين قدر مشترك"، وهذا يقتضي أن يكون وجوده مشاركًا لوجود غيرِه، فهذا لفظي اصطلاحي، ليس هو الشرك المذكور في القرآن، فإن القرآن نفَى أن يكون في الموجودات من يكون شريكًا لله فيما يستحقه من خلقِه وأمرهِ وعبادته وحدَه لا شريك له، ولم يَنفِ أن يخلقَ هو سبحانه مخلوقاتٍ ويجعل لها صفاتٍ، وأنها تُسمَّى بأسماء توافِقُ أسماءه، فيَعقِل الذهنُ أن بين المسمَّيينِ قدرًا مشتركًا، وذلك القدر المشترك ليس له مشاركةٌ في شيء موجودٍ أصلًا، في خلقٍ ولا أمرٍ ولا عبادةٍ، وإنما هو في اعتبارٍ ذهني، كما يشارك اسمُه اسمَ بعضِ عباده في بعض حروفه، فالاشتراك بينه وبين عبادِه في بعض حروف الأسماء التي تُعقَل بالجَنان، وليس هذا بشركٍ في حقيقة موجودة أصلًا. ثم هذا من نعمه وفضله، فإنه الذي خلقَ الإنسان علَّمه البيان، وهو الذي بالقلم علَّم الإنسانَ ما لم يعلم.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: ما شاء الله وشئتَ: "أجعلتَني لله ندًّا؟ " وقال: "قل: ما شاء الله ثم شاء محمد". وأثبتَ المشيئة في مرتبة العبودية (١)


(١) في الأصل: "العبودة".

<<  <  ج: ص:  >  >>