للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مع اللفظ الأول قرائن تركها، بحيث يكون اللفظ مشتركًا، والمتكلم أرادَ به معنى مع قرائنَ، والراوي فهمَ معنى آخر، وأخبرَ به مع قرائن تفيد ذلك المعنى، فالجمع بين المتفرق في الدلالة والفرق بين المجتمع فيها قد يُحيل المعنى.

ولهذا قال العلماء كأحمد وغيره في حديث الطويل إذا أراد الرجلُ أن يُفرّقَه ويروي بعضه، قالوا: لا يفعل ذلك فيما يرتبط المذكور منه بالمتروك ارتباطًا يُحِيل المعنى تفريقُه، وذلك أن المستمع للكلام لا يروي مجرَّد صوتٍ غير معلوم المعنى، بل يروي لفظًا له معنى، فإذا ضبط اللفظ الدالَّ على المعنى فقد يحفظ ذلك وقد ينساه، فلا تأتيه الآفةُ إلا من الغلط في العلم أولًا، أو من زوالِ العلم بعد حصولِه بالنسيان، وإلّا فمتى عَلِمَ ما سمع وحفِظَه لم يبقَ فيه إلّا أن يتعمد الكذب، فالذين يَروُون الخبر على اشتمال أمرٍ باطل تارةً يردُّونه ولا يقبلون أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وتارةً يُفسِّرونه ويتأوَّلونه بأمورٍ أخرى وإن خالف الظاهر.

فهذا القدر قد وقع من بعض الصحابة في مواضع، ومن التابعين أكثر، وكلَّما تأخر الزَّمانُ كان وقوعُه أكثر، لكن إذا تأمل العالم ما وقع من الصحابة والتابعين وجدَ الصواب والحق كان في الخبر الصحيح، وأن الذي غلَّط راويَه برأيه كان هو الغالط، وإن كان عظيمَ القدر مغفورًا غلطُه مثابًا على اجتهاده. فإذا كان هذا حال أكابر الصحابة والتابعين فكيف بمن يردُّ الأخبار بالتكذيب والتحريف من المتأخرين، أحسنُ أحوالِ المؤمن العالم منهم أن يكون هو الغالط في تغليطه لما رواه الثقات الأثباتُ عن ربّ السموات، ويكون هذا الغلطُ مغفورًا له لاجتهادِه، ويكون مُثابًا على ما فعله من حسن نيته وقصدِه وعلمه

<<  <  ج: ص:  >  >>