للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوجبَ مجموعَ هذا على مجموعِ الأمة.

فمن كان يرى أن الذي أمر الله به [إما] أن تكون الأمة كلها أميةً لا تَعقِلُ معاني الكتاب، وإما أن يكون فيها من يُحرِّفه بالتأويلات المبتدعة، فهو ممن يدعو إلى الإعراض عن معاني كتاب الله ونسيانها. ولهذا صار هؤلاء يَنْسَون معانيَه حقيقةً كما يُنسَى اللفظُ، فلا يَخطُر بقلوبهم المعنى الذي أراده الله ولا يتفكرونه، وهذا نسيانٌ حقيقي لمعاني كتاب الله، وإن كان فيهم من يحفظ حروفه.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي والدارمي (١) وغيرهما: "هذا أوانُ يُقبَضُ العلمُ" فقال زياد بن لبيد: يا رسولَ الله! كيف يُقبَضُ وقد قرأنا القرآن، فوالله لنقرأنَّه ولنُقرِئنَّه أبناءَنا ونساءنا، فقال: "إن كنتُ لأحسبُكَ من أفقهِ أهلِ المدينة، أوَ ليست التوراةُ والإنجيلُ عند اليهود والنصارى فما أغنَتْ عنهم؟! ". بيَّن صلى الله عليه وسلم أن وجودَ الكتب المسطورة والحروف المسموعة المقروءة بالأصوات المسموعة لا تُغنِي من العلم شيئًا إذا لم يَقترِنْ بها فهمُه وفقهُه ومعرفتُه.

ولهذا قال عبد الله بن مسعود: "إنكم في زمانٍ كثيرٍ فقهاؤه قليلٍ قُرَّاؤه - وفي روايةٍ: كثيرٍ فقهاؤه قليلٍ خطباؤه - كثيرٍ مُعطوه قليلٍ سائلوه، وسيأتي عليكم زمانٌ كثيرٌ قراؤه أو خطباؤه قليلٌ فقهاؤه قليلٌ معطوه كثيرٌ سائلوه" (٢). فبيَّن أن الزمان المحمود هو الذي يكون [فيه] فقهاءُ يفقهون معاني القراءةِ والخطاب، أمّا كثرة من يقرأ القول ويتكلم بالخطاب بلا


(١) أخرجه الدارمي (٢٩٤) والترمذي (٢٦٥٣) عن أبي الدرداء. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(٢) أخرجه أبو خيثمة في العلم (١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>