للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعي، وهو أن القرآن لا ينسخ السنة، وقد وافقه على ذلك أصحابُ أحمد في أحد القولين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأظهرهما في قوله، وإن كان كثير من أصحابه على الأخرى، حتى قال طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد: إن القرآن لا يخصُّ عمومَ السنة، ولا يُبيِّن القرآنُ السنة. وهذا معنى ما يُروى عن غير واحدٍ من السلف أنهم قالوا: السنةُ تَقضِي على القرآن (١)، والقرآنُ لا يقضي على السنة. وسئل الإمام أحمد عن ذلك فقال: لا أجترئ هذا اللفظ، ولكن السنة تُفسِّر القرآنَ وتُبيِّنُه وتدلُّ عليه وتُعبِّر عنه (٢). فعَدَل عن لفظ "تقضي عليه" لأنها تُشعِر المخاطبين في زمنه بأنها أعلى منه، إلى لفظ البيان والتفسير، وهذا هو الذي قصدَه أولئك.

وقولهم: "تقضي على" بمنزلة قول الفقهاء: تُرجِّح الخاصَّ على العامّ، وإن كان الخاصُّ دون العامّ في الحرمة. وكثيرٌ من أهل الكلام والفقهِ يُنكِرون هذا ويقولون: كيف لا يكون الدليل الأقوى ناسخًا ومخصِّصًا لما دونَه؟ ولم يفهموا مرادَ من قال ذلك من الأئمة، فإنهم قالوا: إذا سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سنةً وجاء القرآن بنسخها، فلا بدَّ أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم من طاعةِ كتاب الله ما يخالف السنة الأولى، فلا تكون السنةُ منسوخةً بالقرآن إلّا ومع القرآن سنةٌ توافقُه، وهذا حقٌّ.

وكذلك قال من قال: السنة هي المفسرة للقرآن المبيِّنة له، فكيف يكون القرآنُ مفسرًا لها مبينًا لها؟ ومقصودهم بهذا: الردّ على من يُعارض سنةَ النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة بما يظنُّه هو ناسخًا لها من آياتٍ في


(١) انظر الكفاية للخطيب (ص ١٤) ومفتاح الجنة للسيوطي (ص ٤٣).
(٢) الكفاية (ص ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>