للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الحقائق المركبة التي (١) ينتفي مجموعُها بانتفاء جزءٍ من أجزائها، إذا نفيتَها لم يلزمْ نفيُ جميع أجزائها، بل يكفي انتفاءُ جزءٍ من أجزائها، وإن بَقي بعض أجزائها.

ولهذا صحَّ عند السلف ومن اتبعهم أن يقال عن الفاسق الملّي: ليس بمؤمنٍ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يَسرِق السارقُ حين يَسرِق وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمن" (٢)، ولا يكون ذلك نفيًا لجميع أجزاء إيمانِه، فإن الإيمان عندهم وإن كان مؤلَّفًا من أمورٍ واجبةٍ، فإذا انتفَى بعضُها انتفَى الإيمانُ الواجبُ الذي به يَستحقُّ الجنَّةَ وينجو من النار، ولم يَنتفِ جميعُ أجزاء الإيمان، بل قد يبقى معه بعض أجزائه التي (٣) ينجو بها من النار بعد دخولها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه "يَخرجُ من النار من كان في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من إيمان" (٤).

فإن الإيمان عندهم يَنقُص ولا يزولُ بالكلية، كما أنه قد يزيد على أداء الواجبات بالطاعات، فلهذا قالوا: يزيد بالطاعة ويَنقُص بالمعصية. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضعٌ وستون أو وسبعون شعبةً، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان" (٥). ومن خالفهم من الخوارج والمعتزلة والمرجئة


(١) في الأصل: "الذي".
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٧٥) ومسلم (٥٧) عن أبي هريرة.
(٣) في الأصل: "الذي".
(٤) أخرجه البخاري (٧٤٣٩) ومسلم (١٨٣) عن أبي سعيد الخدري.
(٥) أخرجه البخاري (٩) ومسلم (٣٥) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>