والجهمية فإنه عندهم لا يَنقُص إلّا أن يزول بالكلية، ظنًّا منهم أن المركب متى زال بعضُ أجزائه زال جميعُه. ولم يعلموا أن الصلاة والحج وغيرهما من المركبات التي يتناول اسمها لأركانها وواجباتها ومستحباتها، قد يزول بعض واجباتِها ولا يزول أصلُ الاسم، وهي عبادة واحدة، فكيف الإيمان الذي يدخل فيه كلُّ طاعةٍ؟ فإذا قلنا: ليس بمؤمنٍ دَلَّ على زوالِ بعض ما يجب من الإيمان، لا على زوالِ كلِّه كما يقوله هؤلاء.
وكذلك إذا قال الشارع: مَن فعلَ ذلك فليس منَّا، اقتضى خروجَه عن هذه الحقيقة، وهي الإيمان الواجب الذي (١) يستحق به الثوابَ دون العقاب، لا يقتضي خروجَه عن جميع أجزاءِ الإيمان كما يقوله الخوارج والمعتزلة، ولا يقتضي نفيَ التطوعاتِ حتى يقال: معناه ليس مثلَنا أو ليس من خيارنا، كما يقوله المرجئة والجهمية.
فإذا كان النفي مقابلًا للإثبات: إن أثبتَ المثبتُ نفسَ العموم رفعه النفيُ، كما في قوله: أكلتُ هذا كلَّه فقال النَّافي: ما أكلتَ هذا كُلَّه. وإن أثبتَ الحكم للمذكور بصيغة العموم كان النفيُ نفيًا لذلك الحكم المذكور بصيغة العموم، فإذا قال: جاء القوم، قال النافي: ما جاء القوم. ثم هنا ثلاث احتمالات:
إما أن يقال: النافي نفَى إثباتَ الحكم للمذكورين، ولم يتعرضْ لنفيه عن بعضهم لا بإثباتٍ ولا نفي، بل نفى عينَ ما أثبتَه المثبت، فيُعلَم أنه حكم أنه لم يجئ المذكورون جميعهم، ويكون مجيءُ بعضِهم