للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ولم يفهموه، ففيهم من يعرف أنه حقيقة قولهم ويقول: إن معاني هذه الألفاظ لم يُبيِّنها، إما لأن المصلحة كانت كتمانها، وإما لأنه هو لا يعرفها. فمن الزنادقة من يقول هذا، ومنهم من يقول هذا.

وأما الذين شاهدوه فقد شهدوا له بالبلاغ، ونحن نشهد بما شهِد به إخواننا الذين سبقونا بالإيمان، فإنه بلَّغ البلاغَ المبين، وعبدَ الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين. ولهذا قال أبو عبد الرحمن السُّلمي أحد أكابر التابعين: حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآنَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ لم يُجاوِزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل (١).

وإذا عُلِمَ أن الصحابة أخذوا عن الرسول لفظَ القرآن ومعناه، بل كانوا يأخذون عنه المعاني مجردةً عن ألفاظِه بألفاظٍ أُخَر، كما قال جُندب بن عبد الله البَجَلي وعبد الله بن عمر: تعلَّمنا الإيمانَ ثم تعلَّمنا القرآن، فازددنا إيمانًا (٢). فكان يُعلِّمهم الإيمانَ، وهو المعاني التي نزل بها القرآن من المأمور به والمخبَر عنه المتلقَّى بالطاعة والتصديق، وهذا حق، فإن حفاظ القرآن كانوا أقلَّ من عموم المؤمنين، فعُلِمَ أن بيانَ معانيه لهم كان أعمَّ من بيان ألفاظه.

ومن هذا الباب صاروا يروون عنه الأحاديث التي ليست ألفاظها


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٥/ ٤١٠ وابن سعد في الطبقات ٦/ ١٧٢ وابن أبي شيبة في المصنف ١٠/ ٤٦٠ والطبري في التفسير ١/ ٧٤ وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٦١) والطبراني في المعجم الكبير ٢/ ١٥٨، ١٦٥ عن جندب. قال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>