للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، فإن هذه الجمل الاستفهامية هي استفهامُ إنكارٍ، إنكار نفيٍ وسلبٍ ونهي ومنْعٍ، فهي متضمنةٌ لشيئين: أحدهما نفي أن يُعلم له سمِيٌّ، وهو أنك لا تعلم له سميًّا. والثاني: الإنكار على من يقول: إن ذلك يُعلم، إذْ لو أراد سبحانه النفيَ البحتَ لقال: ما تعلَمُ له سميًّا. فهذا يكون فيه نفيُ علمِه لا إنكارُ وجودِه، فلما قال: "هل تعلم" كان إنكارًا لوجود ذلك ونفيًا لأن يكون، ولهذا قال: "هل تعلم"، ولم يقل: "هل علمتَ"، ليبيِّن الإنكار والنفي لوجود العلم مطلقًا، فإن الفعل المضارع مطلق بَنَوه لما هو كائنٌ لم ينقطع، هذا لفظ سيبويه (١). كما بَنَوا الماضي لما مضى، وبنَوا الأمرَ لما لم يكن بعدُ.

ونظيرُه أن تقول: هل يأتي نبيٌّ بعد محمد؟ هل تقوم الساعة الآن؟ هل يتخذ الله ولدًا؟ هل يَعلم أحدٌ أو يقول عاقل: إن الواحد مثل الاثنين؟ ونحو ذلك مما تبيَّن فيه امتناعُ ذلك وإنكارُ وجودِه، وتبيَّن أن وجودَه ممتنع، وأنه مما يجب إنكارُه ويُنكَر على من ادَّعاه.

ثم دَلّ ذلك على نفي متعلقه أيضًا، فإن الحق لا يُنكَر العلمُ به، وإنما يُنكَر العلمُ بما لا حقيقة له، لقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس/ ١٨]، فدلَّ هذا المثل (٢) على أنه لا سميَّ له، وعلى أن لا يعلم أحد له سميًّا، وعلى أنه لا يمكن أن يكون له سميٌّ، وعلى أنه لا يمكن أن يُعلَم له سميٌّ، دلَّ على نفيه ونفي إمكانِه، ونفيِ العلم به وبإمكانه، في هذا اللفظ الوجيز المختصر.


(١) الكتاب ١/ ١٢.
(٢) في الأصل: "على هذا المثل".

<<  <  ج: ص:  >  >>