للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصدقُ، وهم أعدادٌ لا يُحصِيهم إلَّا الله.

فإذا لم يَجُزْ تفسيرُ القرآن وتأويلُه بالألفاظ والمعاني التي هي بينَ (١) محفوظةٍ منقولةٍ من إمامٍ إلى إمام ومن عددٍ إلى عددٍ، أفيجوزُ أن يُرجَعَ في معاني القرآن إلى بيتٍ من الشعر أو كلمةٍ من الغريب أحسنُ أحوالِها أن يَرويَها واحدٌ عدلٌ عن بعض الشعراء؟! وإذا كانت الأخبارُ لا تُفيد علمًا فجميعُ ما يذكرونه من اللغة الغربية والشعر المنقولة بمثل ذلك دونه، ولم نعلم أنه قاله عربي، بل يجوز أن يكون كذبًا، فإذا حملنا عليه كلام الله فقد قلنا على الله ما لا نعلم.

وهذا معلومٌ بالضرورة والاتفاق من المثبتةِ والنافيةِ أن اللغة المستفادة من الشعر والغريب الذي يعلمه الآحاد دُونَ ما يُستفاد من نَقْلِ أهلِ الحديث، فإذًا لا يُفيد العلم بأن العربيَّ قالَه، ولو عَلِمْنا أن العربي قالَه لم يكن عِلْمنا بمرادِ العربي منه إلَّا دون عِلْمِنا بمرادِ الرسول والصحابة والتابعين من ألفاظهم. فإذا كان هذا دونَ الحديث في النقل والدلالة لم يكن حملُ معاني القرآنِ عليه بأولى من حَمْلِها على معنى الحديث والآثار، بل تلك أولى من وجوهٍ كثيرة، بل لا يجوز أن يقال: هذا معنى الآية لمجرد إسناد الشعر والغريب ودلالة ذلك، إذ هما لا يُفِيدانِ العلمَ به، فيكون تفسير القرآن بهذه الطريق قولًا على الله بلا علم.

وإذا لم يكن هذا معلومًا، وغيرُه ليسَ معلومًا، بطلتْ دلالةُ الكتابِ والسنة، وسقطَ الاستدلالُ به وفهمُ معانيه، والله أمرَنا بتدبُّرِه وعَقْلِه، فإذا لم يكن لنا طريقٌ إلى العلم بمعناه، لا من جهة نَقْلِ الشعر والغريب، ولا


(١) كذا في الأصل. ولعلها "سننٌ" أو "بَيِّنةٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>