للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعقل الشريف عَقَلَ هذه الأمثال، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت/ ٤٣]، فالعالمون يعقلون هذا المثل كما قال تعالى، وعَقْلُهم له معرفتُهم بما فيه من الحق وبدلالته على الحق المطلوب، حتى يَبقَوا عالمين بعقلهم للحق المطلوب، لا على وجه التقليد لمجرد صدق المخبر، لكن كما قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ/ ٦]. فإذا أوتوا العلم عقلوا أن الذي أُنزِل إليه من ربه من الأحكام الخبرية والأمرية والأدلة الدالة عليها - كالأمثال المضروبة في القرآن - أنه هو الحق، فإن العاقل إنما يعقل ما لم يكن عنده من العلم بما هو عنده، وبالعلم بالمقدمات تُعلَم نتائجُها. ولهذا قال تعالى: إن الأمثال المضروبة {مَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت/ ٤٣]، وأخبر أن الذين أوتوا العلم يرون الذي {أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ/ ٦].

وإذا تبين بالقرآن وبعَقْلِ (١) الأمثال المضروبة فيه امتناعُ السَّمِيِّ لله، وأنه يمتنع أن يكون سميًّا في شيء من الأشياء حصل المقصودُ. والسميُّ هو المِثْل والشَّبهُ، كما نُقِل عن ابن عباسٍ (٢)، وهو إما أن يكون مأخوذًا من المساماةِ وهي المرافعةُ والمعالاةُ، كما قالت عائشةُ عن زينب: "وهي التي كانت تُسامِيني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" (٣). فيكون "فعيل" بمعنى الفاعل، كالأكيل والقعيد والنظير.


(١) في الأصل: "بالعقل".
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١٥/ ٥٨٥) والبيهقي في شعب الإيمان (١٢٢).
(٣) أخرجه مسلم (٢٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>