إذ كان ذلك لا يُفيد علمًا ويقينًا. وطريقة التحريف تتقابل فيها الاحتمالات، فإنه إذا لم يكن إلى العلم بالمراد سبيلٌ تَعيَّن الإعراضُ عن مُرادِ القرآن، وهى الطريقة الأمية. قال الله تعالى:{وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة/ ٧٨]، {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}[الجاثية/ ٢٤].
ومما يجب أن يُعلَم أن من أعظم أبواب الصدِّ عن سبيل الله وإطفاءِ نورِ الله والإلحادِ في آياتِ الله وإبطالِ رسالةِ الله دعوى كون القرآن لا يُفهَم معناه، ولا طريق لنا إلى العلم بمعناه، أو لا سبيل إلى ذلك إلّا الطرق الظنية. ولهذا يَسلك هذا الطريق من نافقَ هنا من المتكلمة والمتفلسفة ونحوهم، فإنهم إذا انسدَّ عليهم بابُ الرسالة والأخذ منها رجعَ كلٌّ منهم إلى ما يوحيه الشيطانُ إليه، {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام/ ١٢١].
ثم القرآن إما أن يحرفوه، فيكونون في معناه منافقين يُظهرون الإيمان بلفظه وهم بمعناه كافرون، وأما أن يُعرِضوا عن معناه فيكونوا به كافرين، كما قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (١٢٦)} [طه/ ١٢٣ - ١٢٦]. والنسيان تركُها والإعراض عنها، وكذلك ترك استماعها وترك تدبُّرِها وفَهْمِها، وترك الإيمان بها والعمل بها، كل ذلك من نسيانها. وقراءةُ مجرد حروفها وحفظه أو استماع مجرد صوت القارئ بها لا يمنع النسيان المذموم، فلا بدَّ من الإيمان الذين يتضمن معرفتَها والعملَ بها، وهذا وإن لم يكن واجبًا على كل أحدٍ في كل آيةٍ على سبيل التفصيل، لكن الإيمان بالله