للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر أبو عمرو بن الصلاح (١) القولَ الأول وصححه، ولكنه لم يعرف مذاهبَ الناس فيه ليتقوى بها، وإنما قاله بموجب الحجة. وظنَّ من اعترضَ عليه من المشايخ (٢) الذين فيهم علمٌ ودين وليس لهم بهذا الباب خبرةٌ تامةٌ، لكنهم يرجعون إلى ما يجدونه في مختصر أبي عمرو بن الحاجب ونحوه من مختصر أبي الحسن الآمدي والمحصَّل ونحوهِ من كلام أبي عبد الله الرازي وأمثالِه، ظنُّوا أن الذي قاله الشيخ أبو عمرو في جمهور أحاديث الصحيحين قولٌ انفردَ به عن الجمهور، وليس كذلك، بل عامَّةُ أئمة الفقهاء وكثيرٌ من المتكلمين أو أكثرُهم وجميعُ علماء أهلِ الحديث على ما ذكره الشيخ أبو عمرو. وليس كلُّ من وجدَ العلم قدرَ على التعبير عنه والاحتجاج له، فالعلمُ شيءٌ، وبيانه شيء آخر، والمناظرةُ عنه وإقامةُ دليله شيء ثالث، والجواب عن حجة مخالفِه شيء رابعٌ.

والحجة على قول الجمهور أن تلقي الأمة للخبر تصديقًا وعملًا إجماعٌ منهم، والأمة لا تجتمع على ضلالة (٣)، كما لو اجتمعتْ على عمومٍ أو أمرٍ أو مطلقٍ أو اسم حقيقةٍ أو على موجب قياس، بل كما لو اجتمعتْ على تركِ ظاهرٍ من القول، فإنها لا تجتمع على خطأ، وإن كان ذلك لو جرَّدَ الواحدُ إليه نظره لم يأمن على الخطأ، فإن العصمة ثبتتْ بالهيئة الاجتماعية، كما أن خبر التواتر كلٌّ من المخبرين يُجوِّز العقلُ


(١) في علوم الحديث ٢٤.
(٢) منهم النووي في الإرشاد ١/ ١٣٣، والعز بن عبد السلام كما في التقييد والإيضاح ٢٨ والنكت لابن حجر ١/ ٣٧١.
(٣) كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي (٢١٦٧) عن ابن عمر، وله شواهد يرتقي بها إلى الصحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>