والقسم الثالث: خبر الواحد العدل الضابط الذي يجب قبوله والعمل به على المسلمين، ليس كل خبر من كلِّ عدلٍ ضابطٍ، بل الخبر الذي أوجبتِ الشريعةُ تصديقَ مثلِه والعمل به، فهذا في إفادة العلم به قولانِ هما روايتان [عن أحمد]:
إحداهما: أنه يُفيد العلم أيضًا، وهو إحدى الروايتين عن مالك، وقولُ الحارث المحاسبي وغيره، وقول محمد بن خويز منداد، وقول طوائف من أهل الحديث وأهل الظاهر، وطائفة من أصحاب أحمد.
والثانية: لا يُوجب العلم ولا يُحلَف على مضمونه، وهذا قول جمهور أهل الكلام وأكثر متأخري الفقهاء وطوائف من أهل الحديث، لأن ذلك العدل يجوز عليه الكذبُ عمدًا أو خطأً، والعمد قد يُعلم انتفاؤه، لكن الخطأ لا يُعلم انتفاؤه، فإن الإنسانَ قد يُخطئ سمعُه، وقد يُخطئ فهمُه لما سمعه، وقد يُخطِئُ ضبطُه له وحفظُه، وقد يُخطئ لسانُه في تبليغه. فمع هذه التجويزات لا يُقطَع بعدمها.
وللأولين حججٌ ليس هذا موضعَ استقصائها، إذ هم لا يجعلون حصول العلم بهذا من جهة العادة المطردة في حق الكفار وغيرهم، كما يقوله المتكلمون في التواتر الذي يحصل العلم فيه بخبر الكفار والفساق، وإنما يقولون: هذا من باب حِفْظِ الله تعالى للذكر الذي بَعَثَ به رسولَه وعصمته لحجته أن يُوجب على الأمة اتباع ما يكون باطلًا، إذ لو جاز ذلك ولم يبقَ بعد محمدٍ نبيٌّ يُبيِّن الخطأ لم تَقُمْ حجةُ الله على أهل الأرض في ذلك، ولكان قد أوجب الله على الناس أن يقولوا على ما هو في نفس الأمر كذبًا، ويقولون: متى كان المحدث قد كذب أو غلط فلا بدَّ أن يَنْصِبَ الله حجةً يبيِّن بها ذلك، كما قال بعض