للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متكلمة المسلمين في إمارة هارون، فقال: هل يستطيعُ ربُّك أن يخلُق مثل نفسِه؟ إن قلتَ: نعم فقد جعلتَ له مثلًا، وإن قلتَ: لا فقد عجَّزتَه، فقال له: هذه المسألة ممتنعة مستحيلة في نفسها، وإذا كانت في نفسها ممتنعةً لم يكن جوابها إلا كذلك، لأنك إذا قلتَ: خلقَ مثلَ نفسه فقد فرضتَ مِثلين أحدهما خالقُ الآخر، ولو كان مثله لم يكن مخلوقًا له ولا كان الآخر خالقًا له، فإن التماثلَ يمنعُ هذا الاختلاف ويُوجب التساوي في القدم والحدوث. فبُهِتَ الذي كفر.

وهذا جوابٌ سديد، فإن السائل إذا فرضَ اجتماع ما يمنع اجتماعهما فقال: ماذا يكون على هذا التقدير؟

قيل له: لا يكون على هذا التقدير الممتنع المحالِ إلّا ما هو ممتنعٌ محالٌ، واجتماعُ متماثلين أحدهما خالقُ الآخرِ محالٌ في نفسه. كما يقال: لو فُرِضَ أن صانعَ (١) العالمِ موجودٌ معدومٌ أكان يصنعه أم لا؟ ولو فُرِض أنه خلق العالم ولم يُرِدْ أن يخلُقَه، أو خلقَه ولم يكن قادرًا على خلقه، أو خلقه ولم يعلمْ كيف يخلقُه، أو لو فُرِض أن الذي خلق العالم كان عدمًا أو مواتًا، أو غير ذلك من التقديرات الممتنعة في نفسها.

ومثل هذه الأغلوطات من المسائل يَسلكها أهل اللَّدّ في الجدل في أمر الدنيا والدين في الأصول والفروع، من جنس الأغلوطات الذي ابتدعهُ العَمِيْدي السمرقندي (٢) في مثل نُكتِه التي يُسمِّيها البرهان ويَدَّعي أنها قطعية وغير ذلك بفرض أمور ممتنعة، ويستنتج نتائجها على ذلك


(١) في الأصل: "مانع" تحريف.
(٢) انظر التعريف به وبطريقته في الجدل في مقدمتنا على "تنبيه الرجل العاقل" (للمؤلف) ١/ ١٩ - ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>