للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقدير الذي يمتنع وجودُه، فإن هذه المقدَّرات التي لم تُوجَدْ: منها ما هو ممتنعٌ في نفسه، فيكون لازمُه ممتنعًا، ومنها ما قد علمنا أنه لا يكون، وإن كان في نفسه غير ممتنعٍ، فيكون لازمه ما لا يكون، ويسمَّى هذا ممتنعًا لغيره، لمشيئة الله ولعلمِه وإخباره بأن ذلك لا يكون. مثل قولهم: لو لم يُقتَل المقتول هل كان يعيش؟ فهذا التقدير معلوم العدم ممتنعٌ لغيره، فإن الله شاء ذلك وعَلمَه وكتبَه، فلم يكن يمكن لمشيئة الله وعلمِه أن يقع إلا ذلك. فإذا قُدِّر عدم المشيئة لقتله وعدمُ تعلق العلم كان هذا تقدير عدم الوجود، فيلزم عدمُ الموجود وهو قتلُه، فإذا لم يُقتل أمكن أن يعيش وأن يموتَ بسببٍ آخر، فلو لم يُقتل لزمَ أحدُ الأمرين، لكن قتلَه لا بدَّ من وجودِه.

وقد يُقدَّر الممتنع لذاتِه، كما يقال: لو لم يكن خالقٌ لم يكن مخلوقٌ (١)، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حيث يقولون وهم يرتجزون:

لاهُمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا ... ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينا (٢)

وربما قالوا:

والله لولا أنتَ ما اهتدينا ... ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينا

وكذلك قوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور/ ٢١]، و {لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال/ ٦٨]، ونظائره متعددة.

فقد يُقدَّر عدمُ الموجود ليُعلَم كيف الأمورُ مع عدمِه، ويُقدَّر وجودُ


(١) في الأصل: "خالقًا" و"مخلوقًا" بالنصب، والوجه ما أثبته، وكان هنا تامة.
(٢) أخرجه البخاري (٤١٠٤، ٤١٠٦) ومسلم (١٨٠٣) عن البراء بن عازب.

<<  <  ج: ص:  >  >>