فلهذا كانت النكرة في سياقِ العموم تَعُمُّ إما عمومًا قطعيًّا إذا تُيقِّن أن اللفظ لنفي الجنس، مثل أن يُقْرَن بمِن النافية للجنس مظهرةً أو مقدَّرةً، كقوله:{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}[المائدة/ ٧٣]، وقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد/ ١٩]. وإمّا عمومًا ظاهرًا إذا كان اللفظ ظاهرًا في نفي الجنس. ويجوز أن يُراد به نفيُ الواحدِ منه، كقولك: ما كلَّمتُ رجلًا ولا أكلتُ رغيفًا؛ إذ يجوز أن يقال: بل رجلين وبل رغيفين. وإن كان اللفظ لنفي الواحد من الجنس، كقولك: ما كلَّمتُ رجلًا بل رجلينِ، ولا أكلتُ رغيفًا بل رغيفينِ، انتفى العمومُ؛ لأن المنفيَّ واحدٌ من الجنس لا نفس الجنس.
وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن إثبات اللفظ العام لأفرادِه لا يُشترط فيه التلازم، فلا يكون إثباتُ بعضِ الأفراد مشروطًا بإثباتِه لبعضها، بل قالوا: أدواتُ التثنية والجمع في المؤتلفات كحروف النسق في المختلفات، فإذا قال: جاء الرجالُ، فقال النافي: ما جاء الرجالُ، فقد نفَى ما أثبتَه، وهو إنما أثبتَ الحكمَ مجرَّدًا، والعمومُ جاء من الصيغة، فالنفيُ ينفي الحكمَ مجردًا، لا ينفي مجرَّد العموم. بخلاف ما لو قال القائل: جاء كلُّ القوم، أو ما جاء كلُّ واحدٍ منهم، ولو قال: أطعمتُهم كلَّهم، أو غسلتُ وجهي كلَّه، فقال: ما أطعمتَهم كُلَّهم، وما غسلتَ وجهك كلَّه، فهنا لما كان المقصود الأول إثبات نفسِ العموم، لا الحكم الذي عرضَ له العمومُ، كان مقصودُ النافي العموم، لا نفي الحكم الذي عرضَ له العمومُ، إذ النفي يطابق الإثبات.