الرسالة. جعلوه شاعرًا للمطابقة التي بين رؤوس الآي، ومجنونًا لخروجه عن عقلهم وعادتهم، وساحرًا لقوةِ تأثير كلامه في نفوس المستمعين، فكذلك هؤلاء إذا سمَّوا هذا تشبيهًا وتجسيمًا، لما فيه من إثبات حقيقة الربِّ وحقائقِ أسمائه وصفاتِه التي يُوافِق لفظُها لفظَ ما يُوصَف به العبادُ = لم يَضُرَّ ذلك، إذا كان الله في نفسه ليس هو من جنس المخلوقاتِ ولا مماثلًا لها في شيء من الأشياء، وان كان هذا الاسم مطابقًا لمسماه فإنه يكون مذمومًا إذا عُلِمَ ذَمُّه بالشرع أو بطلانُ المسمَّى بالعقل.
وليس في كتاب الله ولا سنة رسولِه ولا قولِ أحد من سلفِ الأمة ذمُّ التجسيم، حتى يكون الاسم مذمومًا في الشرع، وثبت معناه في حقّ الخصم، ولا أيضًا في الكتاب والسنةِ ولا لفظِ أحدٍ من الأئمة ذمُّ التشبيه بهذا التفسير، بل الذين ذَمُّوا المشبِّهة من سلفِ الأمة كانوا مثبتةً للصفات، وكانوا لنُفاتِها أشدَّ ذمًّا. والتشبيه المذموم عندهم هو المعنى الأول الذي أبطله المثبتة، ومنعوا دلالةَ النصوص عليه في أصله. [ثم] إن لفظ التشبيه فيه إجمال، فهو مذموم لما ذمَّه السلف من ذلك، وليس هو مذمومًا بالمعنى الذي ينفيه نُفاةُ الصفاتِ. وكذلك لفظ التجسيم في كلام المتأخرين، لكن معه زيادة أنه ليس [له] ذكرٌ في كلام السلف لا بنفي ولا بإثبات، بخلاف ذلك اللفظ، فإنه ذُكِر بالأمرين في كلامهم.
فإن أخذَ المنازعُ المعترضُ يَنفي هذا المعنى بما يذكره من الحجج العقلية تُكُلِّم معه في ذلك، وبُيِّن له أن ما ينفيه النُّفاة من هذه المعاني التي أثبتتْها النصوصُ النبوية وفُطِرَت عليها العقولُ الإيمانية، لا تَنتفي بما يذكرونه من الشُّبَه القياسية بألفاظٍ مجملةٍ تَظهر حقائقُها عند الاستفسار.