للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ذكره البخاري في صحيحه (١)، فإنهم يعتمدون على تفسير مجاهد لأنه أصح التفسير، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسْبُك به (٢). وهذا القول اختيار جدِّي أبي البركات رحمه الله في هذه الآية.

ولهذا قال سبحانه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢)} [الأعلى/ ١ - ٢]، والتسوية: التعديل، والتعديل لا يكون إلّا بين شيئين متناظرين متشابهينِ. فالمخلوقات لا بد فيها من التشابه والتماثل المقتضي التسوية والتعديل. والله تعالى لا عِدْلَ له، {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام/ ١]، ولا يستوي هو وغيرُه. ولكن كما قال الله: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} [الشعراء/ ٩٤ - ٩٨]. ولا سَمِيَّ له، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم/ ٦٥]. ولا نِدَّ له، كما قال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة/ ٢٢]. ولا شريك له، لا في ربوبيته، بل هو خالق كل شيء وربُّه، ولا في ألوهيته، بل لا إله إلا هو وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ولا كفؤَ له، كما قال: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. ولا مثلَ له، كما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى/ ١١].

ومما يجب أن يُعلَم ويُضَمَّ إلى ما ذكرناه قبلُ: أن نفيَ المِثْلِ عنه والسَّمِيِّ والمساوي يقتضي نفي ذلك في كل شيء، فلا يماثلُه شيء من المخلوقات في شيء من الأشياء قطُّ، لا في شيء من معاني أسمائهِ


(١) في تفسير سورة الفجر.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١/ ٨٥)، وذكره المؤلف في مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٣٢، ٣٦٩، ١٥/ ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>