للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق حتى ضلُّوا، وأن كتاب الله دلَّ على الحقّ المحض الذي تَعْقِله العقولُ السليمةُ الصحيحة، وهو الحق المعتدل الذي لا انحراف فيه. فالنُّفاة أحسنوا في تنزيه الخالق سبحانه عن التشبيه أو التمثيل بشيء من خلقه بوجهٍ من الوجوه، فإن المماثلة بوجهٍ من الوجوه تقتضي التناقض والمحال، فإنه لو فُرِض أن الله تعالى يُماثِلُ شيئًا من خلقه في علمه أو إرادته أو غضبه أو حِلْمِه بوجهٍ من الوجوه، كان ذلك الوجه الذي تماثلا فيه يقتضي أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر.

ولهذا جاءت هذه الشريعةُ بكمال التوحيد والتحميد والتنزيه، فقال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتَني لله نِدًّا؟ قل: ما شاء الله وحدَه". فجعله بمماثلتِه له في المشيئة جاعلًا له نِدًّا، مع أنه لا بدَّ بين المشيئتين من قدرٍ مشتركٍ واشتباهٍ، ولكن ليس بينهما تماثلٌ وتَنَادٍ.

ولهذا قال تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} [الرعد/ ١٦]، وقال تعالى: "ومن أظلمُ ممن ذهبَ يخلقُ كخلقي؟ فليخلقوا ذرَّة وليخلقوا بعوضةً! " (١). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضاهُون بخلق الله" (٢)، حيث فعلوا مثلَ ما فعلَ، ولو أنه في الصورة فقط، ولهذا يقال: "أحْيُوا ما خلقتم" (٣). وقال: "من صوَّر صورةً كُلِّف أن يَنفُخَ فيها الروح وليس بنافخ" (٤). لأنه لما فعلَ مثلَ الصورة في الجسم صار مضاهيًا ذاهبًا يَخلُق كخلقِ الله، فقيل له: حَقِّقِ التماثلَ فانفُخْ


(١) أخرجه البخاري (٥٩٥٣)، ومسلم (٢١١١) عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري (٥٩٥٤) عن عائشة.
(٣) أخرجه البخاري (٥٩٥٧) عن عائشة.
(٤) أخرجه البخاري (٢٢٢٥) ومسلم (٢١١٠) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>