للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عبيد - وعلمه باللغة في الطبقة العليا، مع ما له من البراعةِ في بقية العلوم - لمّا ذكرَ تنازعَ بعض أهلِ اللغة وعلماء الفقه والحديث في تفسير نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اشتمالِ الصمَّاءِ، وأن بعض أهلِ الغريب فَسَّره بالتجليل، وأن علماء الدين فسَّروه بإبداءِ المنكب، قال أبو عبيد (١): "والفقهاءُ أعلمُ بالتأويل"، والتأويل هو التفسير، وهو حقيقة المراد. يعني أن الفقهاء يعلمون ما عُنِي بالأمر والنهي، لأن ذلك مطلوبُهم، وأهل الغريب يتكلمون فيه من جهة اللفظ فقط وما تريده به العربُ كما قدمناه.

وكذلك ذكر هلال بن العلاء الرقّي - فيما أظنُّ - أنهم لمّا سمعوا نهْيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن العَقْر قال: سألنا فلانًا وفلانًا من أهل العلم باللغة فلم يَعرِفوا معناه، وأظنُّه ذكر أبا عمرو الشيباني وطبقتَه، قال: فقلنا: ارجعوا بنا إلى أهلِه، فجاؤوا به إلى أحمد بن حنبل، فسألوه فقال: كانوا في الجاهلية إذا ماتَ فيهم كبيرٌ ذبحوا عند قبرِه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، لما فيه من تعظيم الميت الذي يُشبِه النياحةَ ويُشبِه الذبحَ لغير الله. ولهذا كرِه أحمد الأكلَ مما يُذبَح على القبور. قال هلال: فقلنا: هذا والله العلمُ، ثم أنشدَ لبعضِ عربِ الجاهلية (٢):

وإذا مَررتَ بقبرِه فاعْقِرْ بِه ... كُومَ الرِّكابِ وكلَّ طِرْفٍ سَابحِ

فهذا بعض ما يتعلق بكون الأحاديث والآثار موافقةً للقرآن ومفسِّرةً له.


(١) في غريب الحديث (٢/ ١١٨).
(٢) البيت لزياد الأعجم أو الصلتان العبدي من قصيدة في أمالي اليزيدي ٢ وذيل أمالي القالي ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>