للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هو في المتأخرين أن قومًا يقرأون القرآن ولا يفهمونه، وآخرون يتفهمون في كلام آخرين، وآخرون يشتغلون بعلوم أُخَر، بل كان القراء عندهم أهل العلم المحفوظ، وذلك اسمٌ معروفٌ لهم. وهذا مما يُوجِب العلمَ بحرصهم على فهم معناه، وإذا كانوا حِرَاصًا والرسولُ بين أظهرهم فمن الممتنع أن يكونوا يرجعون إلى غيره في بيانِ معانيه وتفصيل مجملِه وبيان متشابهه، فعُلِم أنهم أخذوا عن الرسول بيانَ معاني آيات القرآن التي يقال: إنها مشكلةٌ أو مجملةٌ.

الوجه الرابع: أن أصحابه المعروفين هم الذين نزل القرآن بلغتهم، فإن لغاتِ العرب وإن اشتركت في جنس العربية فبينها افتراق في مواضع كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما خاطب أهلَ اليمن كتب إليهم بلغةٍ هي غريبة بالنسبة إلى لغة قريش، والقرآن نزل بلغة قريشٍ ونحوِهم من أهل الحاضرة والبادية، وأولئك هم خواصُّ أصحابه، فلا يحتاجون في معرفة لغتهم وعادتهم في خطابهم إلى شعر شاعر غيرهم، فضلًا عمن يكون حدثَ بعدَهم.

الوجه الخامس: أن الصحابة سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث

الكثيرة، ورأوا منه من الأحوال، وعلموا بقلوبهم من الأمور ما يُوجب لهم من فهم ما أراد بكلامه ما يتعذرُ على من بعدهم. فليس من سمع ورأى وعلم حالَ المتكلم كمن كان غائبًا، ولم يرَ ولم يسمع منه، ولكن علم بعض أحواله وسمع بواسطةٍ. وإذا كان الصحابة سمعوا لفظه وفهموا معناه كان الرجوع إليهم في ذلك واجبًا متعينًا، ولم يُحتَجْ مع ذلك إلى غيرهم. ولهذا قال الإمام أحمد (١): أصول السنة عندنا التمسك بما كان


(١) في أصول السنة (رواية عبدوس بن مالك العطار) ٢٥. وانظر طبقات الحنابلة =

<<  <  ج: ص:  >  >>