والخوارج هم الحروريَّةُ الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبى طالب وأصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ونصوصِه، لا بالاجتهادِ والرأي والتأويل. وأما المنافقون فإنهم وإن لم يُقاتَلُوا إذْ لم يُظهِروا إلّا الطاعةَ لله ورسولِه فهم في الآخرة في الدَّرْكِ الأسفلِ من النار.
فهذا حالُ المحارب والمسالم من الخارجين عن شريعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعةِ المسلمين من المقرين بالشهادتين، فأما من لم يُقِرَّ بالشهادتين من المشركين وأهل الكتاب فأمرُه ظاهر، وإنما الغرضُ مَنْ قد يَشْمَله لفظ "مسلم"، لظهور إسلامِه بالشهادتين وإن كان الإيمان لم يدخل قلْبَه، أو كان في قلبه مرض، أو قد ارتَدَّ عن بعضه. فهذا هذا، والله أعلم.
وقد تبيَّن بذلك أن الأحاديث النبويّة من الصحاح مَن ردَّ منها شيئًا، وفهمَ من ظاهرِه معنًى يعتقد أنه مخالفٌ للقرآن أو للعقل، فمن نفسِه أُتِيَ وأن المقرِّرين للنصوص هم أرفعُ الخلق وأعلاهم طبقةً، إذ جمعوا المعرفةَ والفهمَ، فإن الصِّديق رضي الله عنه كان أعلمهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفهمهم لمعانٍ زائدةٍ من الخطاب، لا تُستفاد بمجرد اللغة والعلم باللسان، بل هي من الفهم الذي يُؤتيه الله عبدَه. كما في الصحيحين (١) عن أبي سعيد قال: خطبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ عبدًا خيَّرَه الله بين الدنيا وبينَ ما عندَه، فاختار ذلك العبدُ ما عند الله"، فبكَى أبو بكر وقال: بل نَفديك بأنفسِنا، فقلتُ في نفسي: ما يُبكِي هذا الشيخَ أن يكون الله خيَّرَ عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختارَ ذلك العبدُ ما عند الله؟ فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك العبد، وكان أبو بكر أعلَمنا به، فقال: "يا أبا بكر، لا