للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عبادته وطاعته، فإذا امتنع من عبادة ربه أباحَ أن يَفِيءَ المال إلى عباده المؤمنين الذين يعبدونه وحدَه، فإنهم (١) المستحقون لذلك في دينه الذي هو عبادته وحده، وأن يسترقُّوا تلك الأنفس، فإنَّ خدمتها لمن يعبد الله خيرٌ من معاندتها لهم.

فسبب الرقِّ الكفرُ (٢)، وهو من العقوبات، والعقوبات لا تسقُطُ بمجرد التوبة بعد القدرة. ولهذا كان المحارب إذا أسلم قبل القدرة عليه (٣) عُصِمَ دَمُه وما هو في سلطانه من ولدِه الصغار وماله، [و] كان حرًّا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأسير العقيلي لما قال: إني مسلم: "أما إنك لو قُلتها وأنت تملكُ أمرك أفلحتَ كلَّ الفلاح" (٤). وإذا أسلم بعد القدرة عليه عُصِمَ دمُه فقط، لأن الإسلام هو المطلوب بالقتال، ولهذا من كانت ردَّتُه مجردةً فأسلم بعد القدرة عليه عُصِمَ أيضًا دمُه، لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله من عقوبة الكفر.

ولهذا لما كان الله تعالى إنما خلق [الخلقَ] لعبادته وحدَهُ لا شريك له، وبذلك بَعَث رُسُلَه وأنزل كُتُبَه، كان الخروج عن ذلك بالكلية - وهو الشرك - غيرَ مغفورٍ، كما قد بُيِّن في غير هذا الموضع، و [من] كان معه مثقال ذرَّةٍ من إيمان يخرجُ من النار.

والعبادة أصلُها عبادة القلب، وهي غاية الذلِّ بغاية الحبِّ، وذلك إنما يكون بشعورٍ في القلب وعلمٍ وإحساس وبإرادةٍ وقصدٍ واختيار،


(١) في الأصل: "فانتم".
(٢) في الأصل: "فسبب الرق سببه الكفر".
(٣) في الأصل: "على".
(٤) أخرجه مسلم (١٦٤١) عن عمران بن حصين.

<<  <  ج: ص:  >  >>