للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل أن يجعل علمه أو قدرتَه أو رحمته أو غضبَه مثلَ شيء من صفاتِ خلقه، أو يجعل ذاتَه مثل ذاتِ شيء من خلقِه من ذهبٍ أو فضَّةٍ أو بِلَّورٍ أو لحم، كما يُحكَى عن بعض المشبِّهة أنه قال: هو سَبِيكةٌ من فضَّةٍ، وعن بعضهم أنه قال: هو لحمٌ ودم ونحو ذلك = فهذا غلوٌّ في إثبات الحقيقة أدَّى (١) إلى التماثل الموجب لنقصِه وعدمه.

فقد تبيَّن أن الغُلوَّ في تحقيقه حتى يُمثَّل ببعض المخلوقات يُوجِب الحكمَ بالعدم، وأن الغُلوَّ في تنزيهه حتى يُرفَع ما يُعلَم من القدر المشترك المشتبه يُوجِب العدم، فكلٌّ من فريقي الغُلاة في النفي والإثبات يَستلزمُ قولُه عدمَه، لكن النفاة يلزمهم الحكمُ بالعدم ابتداءً من أولِ أمرِهم، إذ لم يُثبوا شيئًا محقَّقًا أصلًا، وإنما ظنُّوا أنهم أثبتوا، والمثبتة يلزمهم الحكمُ بالعدم انتهاءً في آخر أمرهم، لأنهم أثبتوا شيئًا محققًا، واعتقدوا اعتقادًا صحيحًا، ثم زادوا في تمثيله ما يُوجِب أن يكون في صفة المعدوم. فلهذا كان الأولون أضلَّ، ولكن ليس في المسلمين ولا من مُثبِتي الصانع من يبتدئ بالنفي، بل لا بدَّ أن يُثبِتَ أولًا الصانعَ ويُقِرّ به، ثم يبالغ إما بالنفي وإما في الإثبات، فلهذا لم يُصرِّح أحدٌ من مثبتة الصانع بعدمِه، وإن كان قولُه يستلزم ذلك، وهو للنفاة ألزمُ وأبلغُ لزومًا وأسبقُ لزومًا وأوضحُ لزومًا. فهذا هذا، والله أعلم.

فإن قلتَ: إن الفقهاء الأصليين (٢) وغيرهم تنازعوا في نفي المساواة هل يقتضي نفيَها من كل وجهٍ أو يقتضى نفيَ كمال المساواة؟ على قولين، ومَيلُ أصحاب أبي حنيفة وكثيرٍ من أهل الأصول إلى عدم


(١) في الأصل: "أدته".
(٢) كذا في الأصل، ولعل الصواب: "فقهاء الأصلين" أو "الفقهاء والأصوليين".

<<  <  ج: ص:  >  >>