للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين يحفظ الله بهم حُجَجه وبيناته.

ولهذا كان طائفة من علماء الأمة وفقهائها الكبار يتحدثون دائمًا أنه مَن قَدَر أن يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديثين صحيحين متعارضينِ فليأتِنا (١)، ولن يجد أحد إلى ذلك سبيلًا. وهذا القدر عامٌّ في الأحاديث الخبرية المتعلقة بالعقائد والأصول الخبرية، وفي الأحاديث العملية المتعلقة بالأعمال أصولها وفروعها، لا يُستثنَى من ذلك نوعٌ واحدٌ كما يفعلُ طوائف من أهل الكلام الذين سلك المعترضُ سبيلهم.

وأنا أذكر أمثلةً وقعتْ في زمن الصحابة لتكون عبرةً لما سواها، ويستفيد الإنسانُ بها إقرارَ الأحاديث الثابتة عند علماء الحديث، ويُوسع الاعتذارَ والاستغفارَ لمن تأوَّل واجتهدَ في طلب الحق وإن أخطأَه، بل يُعطِي حقَّه من المحبة والموالاة والتعظيم بحسب حسناتِه وإيمانِه.

فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الميتَ يُعذَّب ببكاءِ أهلِه عليه، ومن نِيْحَ عليه يُعذَّبُ بما نِيْحَ عليه". وهذا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر وابن عمر والمغيرة بن شعبة وخلق غير ذلك (٢)، فطائفةٌ من السلف والخلف ردَّتْه، وطائفةٌ تأوَّلَتْه على غيرِ تأويلِه، وطائفةٌ أقرَّتْه على المعنى الذي أحالَهُ أولئك الذي هو ظاهره. وأسعدُ الناسِ به من فهمَ ظاهره وأقرَّهُ، ثم سكتَ عن الأمرين. وأكثر ما دخل الأمر من جهةِ اعتقادِ فهمِ ظاهرِه، فإنهم اعتقدوا أن الله تعالى يُعاقِب الميتَ على ذنب الحيّ، وظنُّوا أن العذاب لا يكون إلّا عقابًا، ثم رأوا أن الله لا يُعاقِب الإنسانَ بعملِ غيرِه، لأن ذلك


(١) من ذلك ما أخرجه الخطيب البغدادي في الكفاية ص ٤٣٢ عن الإمام ابن خزيمة.
(٢) سيأتي سياق أحاديثهم وتخريجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>