للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر. فلو جعل صفاته مثل صفاتِ خلقه في الجنس وجعلها أعظم في القدر، مثل أن يجعل بصره من جنس بصر العبد لكنه أعظم منه، كما يُحكى عمن قال من المشبِّهة: إنه على صورة الإنسان لحمٌ ودمٌ، ولكنه عظيم القدر كبير الجُثَّةِ، فهؤلاء قد سَوَّوا برب العالمين في حقيقته وعدَلوا به.

كما قدمنا أن المنفيَّ بالنصوص والذي ذمَّ الله به العالمين هو التسوية والعدلُ به ولو في بعض الأمور، وذكرنا أن الذين سألوا عن جنسه من المخلوقات بيَّن الله لهم أنه لا كفؤَ له، فبيَّن انتفاء المكافأة في شيء من الأشياء، لأن الاشتراك في الجنس والحقيقة تكافؤٌ (١) في ذلك، وهو نفَى الكفؤَ مطلقًا. فالماء القليل من جنس الماء الكثير كفؤٌ له في ذلك، وكذلك سائر الأجسام المتجانسة المتماثلة في الحقيقة، وإن تفاوتت في المقدار.

وانتفاء هذا كما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة [ووردتْ] (٢) أخبارٌ بذلك، فقد بيَّن الله تعالى أن انتفاءَ ذلك معلومٌ بالعقل أيضًا في مثل قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم/ ٦٥] وغير ذلك، فإنا نعلم بعقلنا أنه لا سَمِيَّ له ولا عِدْلَ ولا كُفُؤَ ولا نِدَّ في شيء من الأشياء، وذلك أن المتماثلينِ في الحقيقةِ وإن تفاوتا في المقدار كالماءين والترابين والعظمين واللحمين [و] (٣) غيرِ ذلك من الأجسام لا بدَّ أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما


(١) في الأصل: "تكافى".
(٢) زيادة ليستقيم السياق.
(٣) في الأصل: "عن".

<<  <  ج: ص:  >  >>