للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينُه كلُّه لله، بل بعضُه لغيرِ الله وإن زعَم (١) أن يكون دينه كلُّه لله، وأنّ ما لم يكن من دينِه لله فهو فيه متبعٌ هواه.

ولهذا كان أمر التوحيد وإخلاص الدين لله هو مقصود القرآن، وهو الذي يعظم أمره ويكثر ذكره، فإن العبد محتاجٌ إليه في كلّ وقتٍ وفي كلِّ شيء. والرياءُ والسُّمعة وإن كان فيه شركٌ كما جاء في الحديث: "من صلَّى يُرائي فقد أشرك، ومن صام يُرائي فقد أشرك" (٢). وجاء أيضًا في الصحيح (٣): "من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن رَاآى رَاآى الله به". فلا ريبَ أن المُرائي يكون عملُه حابطًا، فلا يُثابُ عليه، وشِركُه دونَ شِركِ الذي يَعتقدُ دينًا ويَقصِده لغير الله، فإن المرائي والمُسمِّع يَعلم من نفسه أنه إنما فعلَ وتقوَّلَ ليراه الناسُ ويسمعوا ذلك، فهو يفعل ذلك للرغبة إليهم والرهبة، وليس ذلك عنده دينًا ثابتًا وإلهًا يطمئن إليه، إلّا أن يكون ممن يَتألَّه بعضَ البشر، كعُبَّادِ فرعونَ والدجَّالِ وعُبَّادِ بعض المشايخ والملوكِ وغيرِهم، فهذا شركٌ عظيم، لكن لا يكون في مسلمٍ صحيح الإسلام، وإن كان قد وقع منه شيء كثيرٌ من المنتسبين إلى الإسلام. ولا ريب أن ذلك إذا وقع كان من أعظم الشرك، وهذا لا يفعله إلّا لمعبودِه لا يُرائي به غيرَه. وأما الرياء الذي يقع من منافقي هذه الأمة وذوى المرض في قلوبهم، فهو الذي قصدنا أنه لا يتخذ دينًا في الباطن وإن كان شركًا، وإنما الذي يتخذ دينًا ما يُحبُّه المرء وما يهواه ويَدِيُن به سِرًّا وعلانيةً،


(١) في الأصل: "وعلى".
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١٢٦) عن شداد بن أوس. وإسناده ضعيف.
(٣) أخرجه البخاري (٦٤٩٩) ومسلم (٢٩٨٧) عن جندب بن عبد الله. وأخرجه مسلم (٢٩٨٦) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>