للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: أن المنقول عن الصحابة والتابعين من إثبات الصفات وتقرير النصوص الدالة عليها لا يُحصِيه إلّا الله، فكيف يُترك المنقولُ بالتواتر ويُدَّعَى ما لا حقيقةَ له أو يُحتجُّ بموردِ النزاع؟

الوجه الرابع: أن نقله عن ابن عباسٍ أنه تأوَّل غيرَ ما آيةٍ لا أصل له، بل المحفوظ عن ابن عباس في تقرير النصوص الدالة على الصفات وإثبات الصفات أكثرُ من المحفوظ عن غيرِه (١) من الصحابة، ولستَ تجد في هذا الباب شيئًا أكثر من المنقول عن ابن مسعودٍ وابن عباسٍ وأصحابهما، وهم أعلم الناس بالتفسير وتأويل القرآن.

الوجه الخامس: أن نقله عن السلف أنهم تأولوا الأحاديث فهذا أغرب، هل يَقدِرُ أحدٌ قطُّ أن ينقل عن أحدٍ من الصحابة والتابعين أنه تأول شيئًا من أحاديث الصفات؟ بل هم الذين كانوا يروونها ويُحدِّثون بها من غير تحريفٍ لمعناها ولا ذكرٍ لتأويلٍ فيها، وعنهم أخذها تابعو التابعين، ولما صار الناس في زمن تابعي التابعين يسألون عنها علماءَ ذلك الزمن من صغارِ التابعين مثل الزهري ومكحول، وتابعيهم مثل الأوزاعي ومالك وغيرهما، أمرُّوها كما جاءتْ، ولم ينقلوا عن أحدٍ من التابعين تأويلًا لها أصلًا، بل المنقول عنهم كما قال الأوزاعي: "كنّا والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوقَ عرشِه، ونؤمن بما وردتْ به السنةُ من صفاته" (٢). فهذا نَقْله لِما كان زمنَ التابعين، وهو الإيمان بالصفات، ولم يُرِدْ بذلك الإيمانَ بمجرد حروفها، فإن هذا لم يتغير، وقد سماها صفاتٍ، ولو كانت متأولةً لم تكن صفاتٍ. ولهذا لا يُسمِّيها محققو أهل


(١) في الأصل: "غيرهم".
(٢) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (ص ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>