للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظاهرة رأى من العجائب ما يُضحِك عجبًا ويُبكِي خشيةً وهربًا، فانظر تأويلات القرامطة والفلاسفة والمعتزلة والرافضة ومن اتبعهم ومن اتبعَ بعض هؤلاء المتكلمين من متكلمة الجماعة وأهل الحديث ومتصوِّفتهم يرى ملحًا أُجاجًا أقبحَ من الأحاديث الموضوعة والمغازي المصنوعة، مثل ما يَحكيه السُّؤَّالُ في سيرة عنترةَ والبطّالِ من أنواع الكذب والمحال، وما يُدخِلونه في مغازي علي رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أنوع الأحاديث التي هي عند من يَعلم صفةَ الحال من الأعاجيب، فهؤلاء في الرواية.

وكذلك المتأولون إذا رأيتَ ما يَصرِفون إليه الكلامَ من المعاني، وما يُقدِّرونه لذلك من المباني، وما يَحمِلون عليه أحسنَ الكلام المتشابهِ المثاني = تجدُ من أنواع الهُراء التي هي فوق مطلق الكذب والافتراء، ما يليقُ أن يُقْرَن بحكايات السُّؤَّال، ولو ذكره المَساخِرُ لمن يضحك منه لأخذوا به الأموال، لكن هو عند المؤمن بالله ورسوله مما يُعَدُّ صاحبُه من أهل الافتراء على الله ورسوله. وقد يكون العيبُ لهم والهجاءُ لهم من نوع الجهاد في سبيله، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت أن يهجو المشركين، وقال: "هو أَنْكأُ فيهم من وَخْزِ الإبَر" (١)، وقال: "اهْجُهم وهَاجِهمْ وجبريلُ معك" (٢)، وقال: "اللهم أيِّدْهُ بروحِ القُدُسِ" (٣)، وقال: "إنّ روحَ القُدُس معك ما دُمتَ تُنافِحُ عن رسول الله" (٤). وفي


(١) أخرج مسلم (٢٤٩٠) عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "اهجوا قريشًا، فإنه أشدُّ عليها من رشقٍ بالنبل".
(٢) أخرجه البخاري (٣٢١٣) ومسلم (٢٤٨٦) عن البراء بن عازب.
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٣) ومسلم (٢٤٨٥) عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه مسلم (٢٤٩٠) عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>