المعدوم ليُعلم كيفَ الأمرُ مع وجودِه، كقوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء/ ٢٢]. ومن الأول قوله:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور/ ٣٥]، يقول تعالى: أيُتصوَّر أن يكونوا مخلوقين من غير خالقٍ خلقهم؟ أم هم الخالقون؟ أيُتصوَّر أن يكون الشيء خلقَ نفسَه؟ فإذا قُدِّر عدمُ الخالق لزِمَ أن يكونوا خُلِقوا من غير خالقٍ أو يكونوا هم خلقوا أنفسَهم، وكل ذلك ممتنع، فتعيَّن أن يكون لهم خالقٌ خلقهم. ولهذا قال جبير بن مطعم: لما سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية في الصلاة أحسَسْتُ بفؤادي قد انْصدَع (١). وكان جبير قد قدِمَ في فداء الأسرى عام بدرٍ، وكان ذلك أول ما دخلَ الإسلامُ في قلبه.
فهذه التقديرات التي تكون في العلم والكلام هي طرقٌ وأدلة وبراهين قد تُبيَّن بها حقيقةُ الأمور، حتى في الأمور العملية دون الخبرية، فإن الإنسان قد يكون في حالٍ موجودة محمودةٍ، لا يعرف ما يكون إذا عُدِمتْ من الضرر، فيتركها، فيحصل له من الضرر ما لم يكن يظنه. وربّما يطلب وجودَ أمرٍ لا يُقدِّرُ إذ وُجِدَ ما يكون معه من الضرر، فإذا وُجِدَ كان من الضرر ما لا يعلمه. وصاحب النظر والقياس والتدبير يُقدِّر وجودَ ذلك المعدوم وعدم هذا الموجود ليبين له بذلك الحال كيف يكون، فيعلم ما يأتي وما يَذَر.
فهذه التقديرات إذا كانت لطلب معرفة الحق الذي ينبغي معرفتُه، والعمل الذي ينبغي فعلُه كانت حسنةً، وإن كانت لردِّ الحقِّ الذي يجب قبولُه والعملِ الذي نُهِي عنه كانت من السيئات المذمومة. مثل تقدير فيلسوف قريش ورئيسها الوليد بن المغيرة لما سمع القرآن، وأراد أن