يجمع قومه المشركين على قولٍ يُلقونه إلى الناس يَصُدُّونهم عن اتباع الرسول، فعرضوا على آلاتهم (١)، هذا يقول: ساحر، وهذا يقول: كاهن، وهذا يقول: مجنون، وهو يَرُدُّ ذلك، ويُبيِّن أن مثل هذا القول لا يَنفُق على الناس ولا يقبلونه لظهور بطلانه، ثمَّ {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)} [المدثر/ ١٨ - ٢٥].
ووجهُ قولِه: إنه سحر أي إنه يسحر قلوب المتبعين له، حتى يُفرِّق بين المرء ووالده، والمرءِ وولدِه، والمرءِ وأخيه. فيجعل هذا القدر المشترك الذي يفعل الساحرُ مثله هو وجه كونه سحرًا.
وأما وجهُ كونِه قول البشر فهو يُشبِه من بعض الوجوه ما يقول البشر، فهو نظير قولِ الفلاسفة الذين قالوا: إنه فيضٌ يَفِيضُ عليهم من العقل الفعَّال، كما يفيض سائر كلام المتكلمين على قلوبهم. وشاركهم في بعض قولهم من يقول: القرآن مخلوق، أو يقول: إن حروف القرآن مخلوقة.
فهذا التفكير والتقدير الذي يطلب به معارضة القدر الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، كما يفعله فضلاءُ المتفلسفة والمتكلمة من جميع الطوائف في دفع ما جاء به الكتاب والسنة، هو التفكير والتقدير الذي ذمَّه الله تعالى، وقال في مثله:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}[غافر/ ٤]، وقال:{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}[الرعد/ ١٣]، {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي
(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب: "فعرضوه على آرائهم".