صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [غافر/ ٥٦] إلى أمثال ذلك.
وأما التفكير والتقدير والقياس والتنظير الذي يحبه الله ورسوله فهو الأمثال المضروبة التي ضربها الله في كتابه، فقال:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ}[الروم/ ٥٨]. فإن ضرب المثل هو تقديرُه وجمعه، فإن لفظ الضرب يُشعِر بذلك، ومنه ضرب الدرهم، والضرب في الأرض، والضريبة: الطبيعة، وكذلك الضرب بالعصا، كل ذلك من أصل واحد في اللفظ.
والمقصود هنا أنه قد عُلِمَ من المعدوم الممتنع في نفس الأمر أن يكون لله مِثْلٌ، لكن إذا قُدِّر ذلك في النفس تبيَّن بتقديره ما يلزمه من الأمور الممتنعة التي يُعلم بها أنه ممتنع. وقد تبيَّن أنه إذا قُدِّر مِثْلانِ أحدهما خالقٌ والآخر مخلوق، كان هذا ممتنعًا متناقضًا من وجوهٍ كثيرة لا تنحصر، فإن المثل الذي يجوز عليه ويجب عليه ويمتنع عليه ما يجب ويجوز ويمتنع على الآخر، فحينئذٍ يجوز أن يكون هذا خالقًا لخالق نفسه، ويكون هذا مخلوقًا لمخلوقِ نفسه فيكون مخلوقًا لنفسه، والشيء لا يكون خالقًا لنفسه ولا يكون مخلوقًا لنفسه.
ويكون هذا مستغنيًا بنفسه واجبًا بنفسِه فلا يكون مخلوقًا، ويكون أيضًا مفتقرًا إلى صانِعه ممكنًا بنفسه فيكون مخلوقًا، فيكون كلٌّ منهما خالقًا مخلوقًا، وهذا محال كما تقدم.
ويكون هذا قديمًا فلا يحتاج إلى مُحدِث، ويكون هذا مُحدَثًا فيحتاج في وجودِه إلى قديم، فيكون كلٌّ منهما قديمًا بنفسه لا يحتاجُ ومُحدَثًا محتاجًا، وهذا محال.
ويكون هذا واجبًا بنفسه له العلمُ بكلِّ شيء والقدرةُ على كلِّ شيء،