للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلقُ كلُّهم من أهل الحديث والفقه، والكلام والتصوف، والخاصة والعامة، وتلقَّوه بالقبول كما تلقَّوا حروفَ القرآن، وإن تُرِكتْ روايتُه في بعض المواضع لمصلحة راجحةٍ. وإنما تنازعوا في صحة قوله: "على صورة الرحمن"، وتنازعوا في الضمير في قوله: "على صورته" إلى من يعود؟ فقيل: يعود على مضروب قيل له: "قبح الله وجهَك، ووجهَ من أشبهَ وجهَك"، فقال: "إن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب"، كما يذكر ذلك طائفةٌ من أهل الكلام، ويروون فيه حديثًا باطلًا عند أهل الحديث، لا أصل له (١).

وفيمن جعلَ الضميرَ عائدًا على المضروب ابنُ خزيمة، لكنه لم يَحتجَّ في ذلك بحديث؛ لأنه كان إمامًا في الحديث والفقه، يعلم أن ليس في هذا حديثٌ، لكنه لما روى الحديث الصحيح: "لا يقولن أحدُكم لأحد: قبح الله وجهك، ووجهًا أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته" (٢)، وقوله: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته" (٣)، قال: الهاءُ في هذا الموضع كنايةٌ عن اسم المضروب والمشتوم، أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب، الذي أمرَ الضاربَ باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبَّح وجهه. فزجرَ صلى الله عليه وسلم أن يقول: "ووجهَ من أشبهَ وجهَك"؛ لأن وجه آدم شبيهُ وجوهِ بنيه، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبَّح الله وجهَك ووجهَ من


(١) انظر مشكل الحديث لابن فورك ص ٧. قال المؤلف في بيان تلبيس الجهمية (٦/ ٤٢٤): هذا لا أصل له، ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث.
(٢) انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة (١/ ٨١، ٨٢).
(٣) المصدر السابق (١/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>