للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الحيَّ لا تُؤمَن عليه الفتنة، أولئك أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم أبرُّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقُها علمًا وأقلُّها تكلُّفًا، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيِّه وإقامةِ دِينه، فاعرِفوا لهم حقَّهم، وتمسَّكوا بهَدْيِهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم".

وهذا القدر الذي ذكرناه - من أن المقصود بالقرآن معانيه ومِن ذمِّ المعرضِ عن معناه - هو أجلُّ في نفسه وأظهرُ معرفةً من أن يُحتاج إلى بسطٍ، فإذا كان كذلك فمن أعرضَ عن معناه بالكلية فهو مُعرِضٌ عن البرّ المقصود منه، ومن أعرض عن معاني كثيرٍ منها فهو مُعرِضٌ عن كثيرٍ منه، فإذا كان يأمر بذلك الإعراض ويرغب فيه فهو أمر بالإعراض عن القرآن وأمر بنسيانه وتركه، ومعلومٌ أن هذا كفرٌ صريح. وإذا كان يقول: إنه ليس بمعرِضٍ عن معناه، ويتأوَّله على غير تأويله، ويقول: هذه معانيه، ويأتي بمعانٍ تُضادُّ معانيَه، فهو منافق كاذبٌ، بمنزلة من يقول: أنا أؤمنُ بحروفِه، وأتَى بكلامٍ ليس هو القرآن وقال: هذا هو القرآن، فهو منافق كاذب، ولهذا كان أضرَّ وأخبثَ، فإن الأول بمنزلة الكافر المعرض عن المسلمين، والثاني بمنزلة المنافق الذي أظهرَ الإيمانَ وفعلَ في المسلمين ما ينافي الإيمان.

ولهذا كان مبدأ هذه البدع الكبار - مثل الرفض والتجهُّم ونحو ذلك - من منافقين زنادقةٍ أبطنوا الكفرَ وأظهروا الإسلام، وجاء في الحديث من غير وجهٍ: "إن أخوفَ ما أخاف عليكم زَلَّةَ عالمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآن، وأئمةٌ مُضِلُّون" (١). وهذه الثلاثة تتفق في الأمور الخبرية


(١) أخرجه الطبراني في الصغير (٢/ ٨٥) عن معاذ، وفي إسناده عبد الحكيم بن منصور وهو متروك.

<<  <  ج: ص:  >  >>