للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العموم مثل أن يقال: ما جاء منهم أحد، أو ما جاءني من أحدٍ من هؤلاء، أو ما جاء لا هذا ولا هذا = فهذا لا ريب [فيه]، كما أن الذي قصد به نفي العموم فقط لا ريبَ فيه، ومثلُ: هذا يُساوي هذا في كلِّ شيء، فيقال: ما يُساويه في شيء.

إذا تبيَّن هذا قلنا: من المعلوم أن أحدًا لم يُثبِت لله مثلًا مطلقًا ولا كفوًا مطلقًا ولا سميًّا مطلقًا، فلم يقل أحدٌ من بني آدم: إن للبارئ سبحانه من يساويه في جميع صفاته وأفعالِه. فهذا أصلٌ.

والأصل الثاني أنا قد قدمنا أنّ الندَّ والمساويَ والعِدْل إذا أُطلق في جانب الله فإنما يُراد به من جعل لله نِدًّا في بعض الأشياء، أو جعل له عِدْلًا في بعض الأشياء، كقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام/ ١]، وقوله: {إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء/ ٩٧ - ٩٨]، وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة/ ١٦٥]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أجعلتَني لله نِدًّا؟ " (١). وهذا كالذين جعلوا لله شركاء، إنما أشركوهم معه في بعض الأمور. وأما أن يُجعل له شريك يَشرَكُه في جميع خلقِه وأمرِه فهذا لم يقله أحد، ولهذا قال: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُمْ مِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} [الروم/ ٢٨] أي كخيفة بعضِكم بعضًا، فأخبرَ أنكم لا تجعلون مماليككم شركاءكم، فكيف تجعلون مملوكي شريكي؟ وكانوا في تلبيتهم يقولون: لبيك لا شريك لك إلّا شريكًا هو لك، تَملِكُه


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>