للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجميع، فلا بدَّ من رفع هذا الحكم، ولا يرتفع إلا برفعِه عن الجميع، كما قيل في نفي الجنس. فإن الحكم الذي أثبته الإثبات هو جنسٌ، فإذا قلتَ: قام القومُ، أثبتَّ جنسَ القيام للقوم، فإنهم لما قالوا: النكرةُ في سياق النفي تعمُّ، دخلَ في ذلك نكراتُ الأسماء والأفعال. فإذا قال: لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ، عمَّ كلَّ نوع من أنواع القتل، كما عمَّ كل مسلم وكلَّ كافر، والفعل نكرة مطلقًا، سواء كان فاعله ومفعوله نكرةً أو معرفة. فإذا قيل: جاء القوم أو أسلموا، فقيل: ما جاءوا ولا أسلموا، كان المنفي هو الفعل الذي هو نكرة، والنكرة في النفي تعمُّ.

وهذه حجه جيدة بينة، والمفهوم في الاستعمال في الكتاب والسنة وكلام العرب يوافق ذلك الموالاة في جميعهم (١)، ولذلك لما حرَّم الله الدمَ والخمر والربا وغير ذلك كان تحريمًا لأفرادِه، وكذلك الرجل إذا قال لابنه: لا تُكلِّمْ هؤلاء، أو لا تُخاصِمْهم، أو لا تأكلْ هذا الطعام، أو لا تأخذْ هذه الدراهم = فَهمَ جميعُ الناس من ذلك العمومَ. وكذلك الحالف (٢) إذا قال: واللهِ لا آكلُ هذا الرغيف أو هذا الطعام، أو لا أضرِبُ هؤلاء أو لا أعتدي عليهم، فَهِمَ جميعُ الناس من ذلك العمومَ.

وسببُه - والله أعلم - ما ذكرناه من نفي النكرة التي لا تنتفي إلّا بانتفاء جميع أفرادِها، فأما إذا عُلِمَ سببُ النهي وعمومه فذاك يكون عمومًا من جهة فهم العلة، وهو عمومٌ معنوي، وهذا يقتضى في قوله: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر/ ٢٠] رفعَ المساواة من هؤلاء وكلِّ واحدٍ من هؤلاء، هذا في نفي العام المطلق، وأما النفي المبيَّن فيه


(١) كذا في الأصل.
(٢) في الأصل: "لذلك الحالفون".

<<  <  ج: ص:  >  >>