للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ملك (١).

ولهذا نفَى سبحانه قليل الشرك فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} [سبأ/ ٢٢]، فنفى نفيًا عامًّا لمسمَّى شركٍ، نكرة في سياق النفي، ليبيِّن أن الشريك المنفيَّ عنه من جُعِلَ شريكًا له في أدنى شيء من ملكِه. فنفيُ الشريك كنفي الندِّ والعِدْلِ.

فإذا كان الشريك والندّ والعِدل ونحو ذلك في حق الله إنما هو اسمٌ لما أثبتَه الكفّار، وهم لم يُثبِتوا ذلك إلّا في بعض الأمور لا في جميعها، وثبت إطلاقُ هذه الأسماء في الكتاب والسنة وغير ذلك لمن أثبتَ لغيرِه معه معادلةً في شيء أو مساواةً في شيء أو مشاركةً في شيء، عُلِمَ أن مسمَّى العِدل والندّ والشريك في حق الله مطلق، ولا يُوجب المساواة في كلِّ شيء، بل يتناول ما ادعيتْ له المساواةُ في أيِّ شيء كان.

وسبب ذلك أن هذه المسمَّيات ليس لها حقائق خارجية، فإن الله تعالى ليس له في نفس الأمر من يَصلُح أن يكون عِدلًا أو شريكًا أو كفوًا أو نِدًّا، ولكن لما صار في بني آدمَ من يَعدِل به بعضَ خلقِه في بعض الأشياء نفَى ذلك، فالنفيُ هو لما في نفوسِ بني آدم، ويلزمُ مِن نفي ذلك نفيُ الندّ العام، لكن ذلك لم يحج إلى نفيه ابتداءً، لأن أحدًا لم يُثبِته، وليس له مسمًّى خارجي. والأسماء إنما توضع للصور الذهنية أو للحقائق الخارجية، فإذا كان المماثلُ لله من كلّ وجهٍ ليس له وجود خارجي، ولا أثبتَه أحدٌ في ذهنِه واعتقادِه، لم يحتج أن يجعل له لفظٌ


(١) انظر: الأزمنة لقطرب ٣٩، والأصنام لابن الكلبي ٧، والمحبر ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>