للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه أن يكون كاذبًا أو مخطئًا، ولا يجوز ذلك إذا تواتر، فالأمة في روايتها ورأيها ورؤياها أيضًا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أرى رؤياكم قد تواطأتْ على أنها في العشر الأواخر، فمن كان منكم متحرِّيَهَا فليتحرَّها في السبع الأواخر" (١). فجعل تواطؤَ (٢) الرؤيا دليلًا على صحتها.

والواحد في الرواة قد يجوز عليه الغلط، وكذلك الواحد في رأيه وفي رؤياه وكشفه، فإن المفردات في هذا الباب تكون ظنونًا بشروطها، فإذا قويتْ تكون علومًا، وإذا ضَعُفتْ تكون أوهامًا وخيالاتٍ فاسدة.

وأيضًا فلا يجوز أن تكون في نفس الأمر كذبًا على الله ورسولِه، وليس في الأمة من يُنكِره، إذ هو خلاف ما وصفه الله.

فإن قيل: أما الجزم بصدقه فلا يمكن منهم إلا مجازفةً، وأما العمل به فهو الواجب عليهمُ [و] إن لم يكن صحيحًا في الباطن. وهذا سؤال ابن الباقلاني.

قلنا: أما الجزم بصدقه فلِجَزْمِهم بالأحكام التي يستندون فيها إلى ظاهرٍ أو قياسٍ، كجزمهم بمعاني الآيات والأخبار، وذلك أنه قد يَحتفُّ به عندهم من القرائن ما يُوجب العلمَ، إذ القرائن المجردة قد تُفيد العلم بمضمونها، فكيف إذا احتفَّ بالخبر. والمنازعُ بنى هذا على أصلِه الواهي أن العلم بمخبر الأخبار لا يحصل إلّا من جهة العدد، فلزِمَه أن يقول: ما دونَ العددِ لا يُفيد أصلًا. وهذا غلطٌ خالفَه فيه حُذَّاقُ أتباعِه.

وأما العمل به فنقول: لو جاز أن يكون في الباطن كذبًا، وقد وجبَ


(١) أخرجه البخاري (١١٥٨، ٢٠١٥، ٦٩٩١) ومسلم (١١٦٥) عن عبد الله بن عمر.
(٢) في الأصل: "تواطي".

<<  <  ج: ص:  >  >>